وقد رويت
الروايتان بطرق صحيحة ، فالأولى الجمع والقول بمعراجين : أحدهما في النّوم ،
والآخر في اليقظة [٣].
وروي أنّ
المشركين سألوه عن بيت المقدس وما رآه في طريقه فوصفه لهم شيئا فشيئا ، وأخبرهم
أنّه رأى في طريقه قعبا [٤] مغطى مملوء ماء فشرب منه ، ثم غطّاه كما كان ، ووصف لهم
إبلا كانت في طريق الشّام يقدمها جمل أورق [٥] ، فوجدوا الأمر كما وصف.
وأخرج عن معاوية رضي
الله تعالى عنه أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : «كانت رؤيا من الله تعالى صادقة». قال ابن إسحاق : «فلم ينكر ذلك من قولهما
...» السيرة : (١ / ٣٩٩ ، ٤٠٠).
وعلق الحافظ ابن كثير على نقل
ابن إسحاق بقوله : «وقد توقف ابن إسحاق في ذلك ، وجوز كلّا من الأمرين من حيث
الجملة ، ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنه كان يقظانا لا محالة لما تقدم ،
وليس مقتضى كلام عائشة رضياللهعنها ـ أن جسده صلىاللهعليهوسلم ما فقد وإنما كان الإسراء بروحه أن يكون مناما كما فهمه ابن إسحاق ، بل
قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم وركب البراق وجاء بيت المقدس
وصعد السماوات وعاين ما عاين حقيقة ويقظة لا مناما. لعل هذا مراد عائشة أم
المؤمنين رضياللهعنها ، ومراد من تابعها على ذلك ، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك
المنام ، والله أعلم» اه.
وأخرج البخاري في صحيحه : ٥ /
٢٢٧ ، كتاب التفسير ، باب (وَما
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة أسرى به ...».
[٣]ذكره ابن العربي
في أحكام القرآن : ٣ / ١١٩٤ ، ورجحه السهيلي في الروض الأنف :٢ / ١٤٩ ، وأبو شامة
المقدسي في نور المسرى : ١١٧.