responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 47
مَا قَتله، أَي يكافىء وَيُعَوِّضُ مَا قَتَلَهُ. وَإِسْنَادُ الْجَزَاءِ إِلَى الْمِثْلِ إِسْنَادٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةً، أَيْ فَجَزَاءٌ هُوَ مِثْلُ مَا قَتَلَ، وَالْإِضَافَةُ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا [سبأ:
37] . وَهَذَا نَظْمٌ بَدِيعٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النِّسَاء: 92] ، أَيْ فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً. وَجَعَلَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ فَلْيُجْزَ مِثْلَ مَا قَتَلَ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ النَّعَمُ هُوَ الْمُعَوَّضَ لَا الْعِوَضَ لِأَنَّ الْعِوَضَ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ فِعْلُ (جَزَى) بِالْبَاءِ وَيَتَعَدَّى إِلَى الْمُعَوَّضِ بِنَفْسِهِ. تَقُولُ: جَزَيْتُ مَا أَتْلَفْتُهُ بِكَذَا دِرْهَمًا، وَلَا تَقُولُ: جَزَيْتُ كَذَا دِرْهَمًا بِمَا أَتْلَفْتُهُ، فَلِذَلِكَ اضْطَرَّ الَّذِينَ قَدَّرُوا هَذَا الْقَوْلَ إِلَى جَعْلِ لَفْظِ (مِثْلِ) مُقْحَمًا. وَنَظَّرُوهُ بِقَوْلِهِمْ: «مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ» ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ مُعَاصِرٌ لِلزَّمَخْشَرِيِّ. وَسَكَتَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» عَنِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَقَرَّرَ الْقُطْبُ كَلَامَ «الْكَشَّافِ» عَلَى لُزُومِ جَعْلِ لَفْظِ مِثْلُ مُقْحَمًا وَأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ، يَعْنِي نَظِيرَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] وَكَذَلِكَ ألزمهُ إِيَّاه التفتازانيّ، وَاعْتَذَرَ عَنْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ بِصَدَدِ بَيَانِ الْجَزَاءِ لَا بِصَدَدِ بَيَانِ أَنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ مَا قَتَلَ. وَهُوَ اعْتِذَارٌ ضَعِيفٌ. فَالْوَجْهُ أَنْ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَدِ اجْتَرَأَ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ:
أَنْ لَا وَجْهَ لِقِرَاءَةِ الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنْهُ وغفلة من وُجُوهِ تَصَارِيفِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ.
وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَيَعْقُوبُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ فَجَزاءٌ مِثْلُ بِتَنْوِينِ (جَزَاءٌ) .
وَرَفْعُ (مِثْلُ) عَلَى تَقْدِيرِ: فَالْجَزَاءُ هُوَ مِثْلُ، عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلَى اسْمِ
الْمَفْعُولِ، أَيْ فَالْمَجْزِيُّ بِهِ الْمَقْتُولَ مِثْلُ مَا قَتَلَهُ الصَّائِدُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ جُمْلَةٌ فِي مَوضِع الصّفة لجواء أَوِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، أَيْ يَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ، أَيْ بِتَعْيِينِهِ. وَالْمَقْصِدُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ كُلُّ أَحَدٍ مَعْرِفَةَ صِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالنَّعَمِ فَوَكَّلَ اللَّهُ أَمْرَ ذَلِكَ إِلَى الْحُكْمَيْنِ. وَعَلَى الصَّائِدِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّنْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ صِفَةُ الْعَدَالَةِ وَالْمَعْرِفَةِ فَيَرْفَعُ الْأَمْرَ إِلَيْهِمَا. وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمَا أَنْ يُجِيبَاهُ إِلَى مَا سَأَلَ مِنْهُمَا وَهُمَا يُعَيِّنَانِ الْمِثْلَ وَيُخَيِّرَانِهِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْمِثْلَ أَوِ الطَّعَامَ أَوِ الصِّيَامَ، وَيُقَدِّرَانِ لَهُ مَا هُوَ قَدْرُ الطَّعَامِ إِنِ اخْتَارَهُ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 47
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست