responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 6  صفحه : 44
لِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا دَلِيلُ حِكْمَتِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا بِوَصْفِ الْعَزِيزِ فَلِأَنَّ الْعَزِيزَ يُنَاسِبُ عِزَّتَهُ أَنْ يَكُونَ غَالِبًا مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ فَهُوَ غَالِبٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْبُودِيَّةِ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَغَالِبٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْقُولِيَّةِ إِذْ شَاءَ أَنْ لَا يُؤَاخِذَ عَبِيدَهُ إِلَّا بَعْدَ الْأَدِلَّةِ وَالْبَرَاهِينِ وَالْآيَاتِ. وَتَأْخِيرُ
وَصْفِ الْحَكِيمِ لِأَنَّ إِجْرَاءَ عِزَّتِهِ عَلَى هَذَا التَّمَامِ هُوَ أَيْضًا مِنْ ضُرُوبِ الْحِكْمَة الباهرة.
[166]

[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 166]
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166)
هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَعْنًى أَثَارَهُ الْكَلَامُ: لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ من قَوْله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ [النِّسَاء: 153] مَسُوقٌ مَسَاقَ بَيَانِ تَعَنُّتِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ عَنْ أَنْ يَشْهَدُوا بِصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِحَّةِ نِسْبَةِ الْقُرْآنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ مِنَ الشَّهَادَةِ بِصِدْقِ الرَّسُولِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ الِاسْتِدْرَاكُ بِقَوْلِهِ: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ. فَإِنَّ الِاسْتِدْرَاكَ تَعْقِيبُ الْكَلَامِ بِرَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ. وَالْمَعْنَى: لَمْ يَشْهَدْ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكِنَّ اللَّهَ شَهِدَ وَشَهَادَةُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ شَهَادَتِهِمْ.
وَقَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [282] ، أَنَّ حَقِيقَةَ الشَّهَادَةِ إِخْبَارٌ لِتَصْدِيقِ مُخْبِرٍ، وَتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ آخَرَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْخَبَرِ الْمُحَقِّقِ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُهُ الشَّكُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [18] . فَالشَّهَادَةُ فِي قَوْلِهِ: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ أُطْلِقَتْ عَلَى الْإِخْبَارِ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اللَّهِ إِطْلَاقًا مَجَازِيًّا، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَضَمَّنَ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ وَتَكْذِيبَ مُعَانَدِيهِ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ مِنَ الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ هُوَ غَيْرُ الْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمرَان: 18] فَإِنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ. وَعُطِفَ شَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى شَهَادَةِ اللَّهِ: لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِتَعَدُّدِ الشُّهُودِ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ اللَّهِ مَجَازٌ فِي الْعِلْمِ وَشَهَادَةَ الْمَلَائِكَةِ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 6  صفحه : 44
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست