responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 106
وَالشَّهَادَةُ حَقِيقَتُهَا الْحُضُورُ وَالْمُشَاهَدَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا حُضُورٌ خَاصٌّ وَهُوَ حُضُورٌ لِأَجْلِ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّدَايُنِ، وَهَذَا إِطْلَاقٌ مَعْرُوفٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَى حُضُورٍ لِمُشَاهَدَةِ تَعَاقُدٍ بَيْنَ مُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِسَمَاعِ عَقْدٍ مِنْ عَاقِدٍ وَاحِدٍ مِثْلِ الطَّلَاقِ وَالْحُبْسِ. وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ أَيْضًا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ صَاحِبُهُ عَنْ أَمْرٍ حَصَلَ لِقَصْدِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِمَنْ يَزْعُمُهُ، وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَنْ يُنْكِرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النُّور: 4] .
وَجَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ طَلَبَ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ وَقَدْ فَهِمَ السَّامِعُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ حُصُولُهُ. وَلِهَذَا أَمَرَ الْمُسْتَشْهَدَ- بِفَتْحِ الْهَاءِ- بَعْدَ ذَلِكَ بِالِامْتِثَالِ فَقَالَ: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا.
وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ قِيلَ لِلْوُجُوبِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَقِيلَ لِلنَّدْبِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ رِجالِكُمْ أَيْ مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَصَلَ بِهِ شَرْطَانِ: أَنَّهُمْ رِجَالٌ، وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَشْمَلُهُمُ الضَّمِيرُ.
وَضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ مُرَادٌ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِقَوْلِهِ فِي طَالِعَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّرْعُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ عَنِ الْإِحَاطَة بمواقع الْإِشْهَاد وَمَدَاخِلِ
التُّهَمِ.
وَالرَّجُلُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ يُفِيدُ وَصْفَ الذُّكُورَةِ فَخَرَجَتِ الْإِنَاثُ، وَيُفِيدُ الْبُلُوغَ فَخَرَجَ الصِّبْيَانُ، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ أَفَادَ وَصْفَ الْإِسْلَامِ. فَأَمَّا الْأُنْثَى فَيُذْكَرُ حُكْمُهَا بَعْدَ هَذَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ يُوجِبُ التَّبَاعُدَ فِي الْأَحْوَالِ وَالْمُعَاشَرَاتِ وَالْآدَابِ فَلَا تُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِأَحْوَالِ الْعُدُولِ وَالْمُرْتَابِينَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، كَيْفَ وَقَدِ اشْتُرِطَ فِي تَزْكِيَةِ الْمُسْلِمِينَ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ مِنْ غَالِبِ أَهْلِ الْمِلَلِ اسْتِخْفَافُ الْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ بِحُقُوقِ مُخَالِفِهِ، وَذَلِكَ مِنْ تَخْلِيطِ الْحُقُوقِ وَالْجَهْلِ بِوَاجِبَاتِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ. فَإِنَّ الْأَدْيَانَ السَّالِفَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِاحْتِرَامِ حُقُوقِ الْمُخَالِفِينَ، فَتَوَهَّمَ أَتْبَاعُهُمْ دَحْضَهَا. وَقَدْ حَكَى اللَّهُ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 106
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست