responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 8
وَحَرْفُ النِّدَاءِ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ عَلَى خَطَرِ مَا بَعْدَهُ لِيُصْغِيَ إِلَيْهِ السَّامِعُ وَكَثُرَ دُخُولُهُ فِي الْجُمَلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا إِنْشَاءُ مَعْنًى فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ الْإِخْبَارِ فَيَكُونُ اقْتِرَانُ ذَلِكَ الْإِنْشَاءِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ إِعْلَانًا بِمَا فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ مَدْلُولِ الْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِمْ: يَا خَيْبَةً، وَيَا لَعْنَةً، وَيَا وَيْلِي، وَيَا فَرْحِي، وَيَا لَيْتَنِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَتِ امْرَأَة من طي مِنْ أَبْيَاتِ الْحَمَاسَةِ:
فَيَا ضَيْعَةَ الْفِتْيَانِ إِذْ يَعْتَلُونَهُ ... بِبَطْنِ الشَّرَا مِثْلِ الْفَنِيقِ الْمُسَدَّمِ
وَبَيْتُ الْكِتَابِ:
يَا لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْأَقْوَامَ كُلَّهُمْ ... وَالصَّالِحِينَ عَلَى سِمْعَانَ مِنْ جَارِ
وَقَدْ يَقَعُ النِّدَاءُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِالْهَمْزَةِ كَقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيِّ:
أُلَهْفَى بِقُرَّى سَحْبَلٍ حِينَ أَجْلَبَتْ ... عَلَيْنَا الْوَلَايَا وَالْعَدُوُّ الْمُبَاسِلُ
وَأَصْلُ هَذَا النِّدَاءِ أَنَّهُ عَلَى تَنْزِيلِ الْمَعْنَى الْمُثِيرِ لِلْإِنْشَاءِ مَنْزِلَةَ الْعَاقِلِ فَيَقْصِدُ اسْمَهُ بِالنِّدَاءِ لِطَلَبِ حُضُورِهِ فَكَانَ الْمُتَكَلِّمُ يَقُولُ: هَذَا مَقَامُكَ فَاحْضُرْ، كَمَا يُنَادَى مَنْ يُقْصَدُ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابَةِ عَمَّا لَحِقَ الْمُتَكَلِّمَ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ الْمُنَادِي ثُمَّ
كَثُرَ ذَلِكَ وَشَاعَ حَتَّى تُنُوسِيَ مَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ وَالْكِنَايَةِ وَصَارَ لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَهُ، وَالِاهْتِمَامُ حَاصِلٌ فِي الْحَالَيْنِ.
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [73] ، وَقَوله:
يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [28] .
وَمُوقِعُ مِثْلِهِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَمْثِيلٌ لِحَالِ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ بِحَالِ مَنْ يَرْثِي لَهُ أَهْلُهُ وُقُوعَهُ فِي هَلَاكٍ أَرَادُوا مِنْهُ تَجَنُّبَهُ.
وَجُمْلَةُ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّحَسُّرِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا عَمَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ حَدَثَ إِيهَامٌ فِي وَجْهِ الْعُمُومِ. فَوَقَعَ بَيَانُهُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادِ مُسَاوُونَ لِمَنْ ضُرِبَ بِهِمُ الْمَثَلُ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُمَثَّلِ بِهَا وَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْمَوَاعِظُ وَالنُّذُرُ الْبَالِغَةُ إِلَيْهِمْ مِنَ الرَّسُولِ الْمُرْسَلِ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ مِنْهُمْ وَمِنْ مُشَاهَدَةِ الْقُرُونِ الَّذِينَ كَذَّبُوا
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست