responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 400
لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ:
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الزمر: 27] عَلِمَ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ عَلَيْهِ مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ بِصِدْقِ مَا عَلِمَهُ وَجَعَلَهُ لِتَحَقُّقِهِ كَأَنَّهُ مَاضٍ.
وَلِيُلَائِمَ تَوْجِيهَ الِاسْتِفْهَامِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا (فَإِنَّهُ سُؤَالُ تَبْكِيتٍ) فَتَلْتَئِمُ أَطْرَافُ نَظْمِ الْكَلَامِ، فَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ مِنْ إِلْقَاءِ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ إِلَى إِلْقَائِهِ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِإِفَادَةِ صِدْقِ عِلْمِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ هَذَا أَدَقُّ مَعْنًى وَأَنْسَبُ بِبَلَاغَةِ الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْمُضِيَّ فِي فِعْلِ ضَرَبَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَالَ: إِنَّ مَعْنَاهُ: ضَرْبُ الْمَثَلِ فِي عِلْمِهِ فَأَخْبِرْ بِهِ قَوْمَكَ.
فَالَّذِي دَعَا الزَّمَخْشَرِيَّ إِلَى سُلُوكِ هَذَا الْمَعْنَى فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ رَعْيُ مُنَاسَبَاتٍ اخْتُصَّ بِهَا سِيَاقُ الْكَلَامِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ، وَلَا دَاعِيَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ نَظَائِرِ صِيغَتِهَا مِمَّا لَمْ يُوجَدْ لِلَّهِ فِيهِ مُقْتَضٍ لِنَحْوِ هَذَا الْمَحْمَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً كَمَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [24] ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ
عِنْدَ قَوْلِهِ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً فِي سُورَةِ [النَّحْلِ: 112] .
وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ: إِنَّ الْعُدُولَ عَنْ أَنْ يُصَاغَ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ [يس: 13] ، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ [الْكَهْف: 32] وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الْكَهْف: 45] إِلَى أَنْ صِيَغَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ هُوَ التَّوَسُّلُ إِلَى إِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْمَثَلِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ.
وَإِسْنَادُ ضَرْبِ الْمَثَلِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ كَوَّنَ نَظْمَهُ بِدُونِ وَاسِطَةٍ ثُمَّ أَوْحَى بِهِ إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مِنْ جَعْلِ اللَّهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَمْثَالُهُ وَغَيْرُهَا، وَهُوَ كُلُّهُ مَأْمُورٌ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا فَاضْرِبْهُ لِلنَّاسِ وَبَيِّنْهُ لَهُمْ، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْ ضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ مُحَاجَّةُ الْمُشْرِكِينَ وَتَبْكِيتُهُمْ بِهِ فِي كَشْفِ سُوءِ حَالَتِهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ، إِذْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَجْرِيَ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقَةِ نَظَائِرِهِ كَقَوْلِهِ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ [يس: 13] ، وَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9] ، قُلْ يَا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ [الزمر: 10] ، قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ [الزمر: 11] ، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ [الزمر: 14] ، قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ [الزمر:
15] ، فَبَشِّرْ عِبادِ [الزمر: 17] .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 400
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست