responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 302
وَهَذَا نَامُوسٌ خِلْقِيٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ مَبْدَأً لِهَذَا الْعَالَمِ قَبْلَ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْحَوَادِثُ وَالْمَضَائِقُ مِعْيَارِ الْأَخْلَاقِ وَالْفَضِيلَةِ، فَلَا يُحْكَمُ عَلَى نَفْسٍ بِتَزْكِيَةٍ أَوْ ضِدِّهَا إِلَّا بَعْدَ تَجْرِبَتِهَا وَمُلَاحَظَةِ تَصَرُّفَاتِهَا عِنْدَ حُلُولِ الْحَوَادِثِ بِهَا. وَقَدْ مُدِحَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْخَيْرِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ أَرَيْتُمُوهُ الْأَبْيَضَ وَالْأَصْفَرَ؟ يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ. وَقَالَ الشَّاعِر:
لَا تمد حنّ امْرأ حَتَّى تُجَرِّبَهُ ... وَلَا تَذُمَّنَّهُ مِنْ قَبْلِ تَجْرِيبِ.

إِنَّ الرِّجَالَ صَنَادِيقٌ مُقَفَّلَةٌ ... وَمَا مَفَاتِيحُهَا غِيَرُ التَّجَارِيبِ
وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنَ الْكَافِرِينَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ امْتِنَاعَ طَعْنٍ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ، وَذَلِكَ كُفْرٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ كَامْتِنَاعِ أَحَدٍ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ إِنْ لَمْ يَجْحَدْ أَنَّهَا حَقٌّ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزلَة.
[75- 76]

[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]
قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
أَيْ خَاطَبَ اللَّهُ إِبْلِيسَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ حِينَئِذٍ كَانَ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا اسْتَكْبَرَ قَدِ انْسَلَخَ عَنْ صِفَةِ الْمَلَكِيَّةِ فَلم يعد بعد أَهْلًا لِتَلَقِّي الْخِطَابِ مِنَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ [الشورى:
51] ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْمُحَاوَرَةُ الْمَحْكِيَّةُ هُنَا بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ فَيَكُونُ الِاخْتِصَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى جَعْلِ ضمير يَخْتَصِمُونَ [ص: 69] عَائِدًا إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ.
وَجِيءَ بِفِعْلِ قالَ غَيْرَ مَعْطُوفٍ حَسْبَ طَرِيقَةِ الْمُقَاوَلَاتِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ إِلَّا قَوْلَهُ هُنَا مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ، أَيْ مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ، وَوَقَعَ فِي سُورَة [الْأَعْرَاف: 12] أَلَّا تَسْجُدَ عَلَى أَنْ لَا زَائِدَةً. وَحُكِيَ هُنَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُ: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، أَيْ خَلَقْتُهُ بِقُدْرَتِي، أَيْ خَلْقًا خَاصًّا دَفْعَةً وَمُبَاشَرَةً لِأَمْرِ التَّكْوِينِ، فَكَانَ تَعَلُّقُ هَذَا التكوين تعلقا أَقْرَبَ مَنْ تَعَلُّقِهِ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودَاتِ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 302
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست