responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 330
وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُجَادِلُونَ النَّبِيءَ قَصْدًا لِإِفْحَامِهِ، وَتَمْوِيهًا لِتَغْلِيطِهِ نَبَّهَ اللَّهُ عَلَى أُسْلُوبِ مُجَادَلَةِ النَّبِيءِ إِيَّاهُمْ اسْتِكْمَالًا لِآدَابِ وَسَائِلِ الدَّعْوَةِ كُلِّهَا. فَالضَّمِيرُ فِي وَجادِلْهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُجَادِلُونَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ يَتَلَقَّوْنَ مِنْهُ تَلَقِّيَ الْمُسْتَفِيدِ وَالْمُسْتَرْشِدِ. وَهَذَا مُوجِبُ تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجَادَلَةِ إِذْ لَمْ يَقُلْ: وَالْمُجَادَلَةُ الْحَسَنَةُ، بَلْ قَالَ: وَجادِلْهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سُورَة العنكبوت: 46] .
وَيَنْدَرِجُ فِي «الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» رَدُّ تَكْذِيبِهِمْ بِكَلَامٍ غَيْرِ صَرِيحٍ فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سُورَة سبأ: 24] ، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [سُورَة الْحَج: 68] .
وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَسَالِيبِ الدَّعْوَةِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا النَّاسَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ مِنْ خُطَبِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَإِرْشَادِهِ يَسْلُكُ مَعَهُمْ هَذِهِ الطُّرُقَ الثَّلَاثَةَ. وَذَلِكَ كُلُّهُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ وَمِنْ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ خَاصَّةٍ وَعَامَّةٍ.
وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ لُزُومُ كَوْنِ الْكَلَامِ الْوَاحِدِ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْكَلَامُ حِكْمَةً مُشْتَمِلًا عَلَى غِلْظَةٍ وَوَعِيدٍ وَخَالِيًا عَنِ الْمُجَادَلَةِ. وَقَدْ يَكُونُ مُجَادَلَةً غَيْرَ مَوْعِظَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ.
وَكَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّكَ لَتَأْكُلُ الْمِرْبَاعَ وَهُوَ حَرَامٌ فِي دِينِكَ»
، قَالَهُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ قَبْلَ إِسْلَامِهِ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 330
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست