responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 384
أَيْ بَعْدَ أَنْ أَخَذْنَا الْمِيثَاقَ بِأَزْمَانٍ صِرْتُمْ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَنَحْوَ قَوْلِكَ: مَرَّتْ كَتِيبَةُ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مَرَّتْ كَتِيبَةُ الْمُهَاجِرِينَ.
فَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتِ السَّمَاوَاتُ مُتَأَخِّرًا خَلْقُهَا عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ فَثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لَا مَحَالَةَ مَعَ التَّرَاخِي الزَّمَنِيِّ وَإِنْ كَانَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ سَابِقًا فَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ لَا غَيْرَ. وَالظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي. وَقَدْ جَرَى اخْتِلَافٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ فِي مُقْتَضَى الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَنُسِبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَة [9- 11] : قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ إِنْ خَلْقَ السَّمَاءَ مُتَقَدِّمٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها إِلَى قَوْلِهِ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [النازعات: 27- 30] . وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ أَوَّلًا ثُمَّ خُلِقَتِ السَّمَاءُ ثُمَّ دُحِيَتِ الْأَرْضُ فَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ خَلْقِ السَّمَاءِ هُوَ دَحْوُ الْأَرْضِ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ ثُمَّ أَخَذَتْ تَبْرُدُ حَتَّى جَمَدَتْ وَتَكَوَّنَتْ مِنْهَا قِشْرَةٌ جَامِدَةٌ ثُمَّ تَشَقَّقَتْ وَتَفَجَّرَتْ وَهَبَطَتْ مِنْهَا أَقْسَامٌ وَعَلَتْ أَقْسَامٌ بِالضَّغْطِ إِلَّا أَنَّ عُلَمَاءَ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ يُقَدِّرُونَ لِحُصُولِ ذَلِكَ أَزْمِنَةً مُتَنَاهِيَةَ الطُّولِ وَقُدْرَةُ اللَّهِ صَالِحَةٌ لِإِحْدَاثِ مَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ التَّقَلُّبُ فِي أَمَدٍ قَلِيلٍ بِمُقَارَنَةِ حَوَادِثِ تَعَجُّلِ انْقِلَابِ الْمَخْلُوقَاتِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
وَأَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ هُوَ أَنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ لِأَنَّ لَفْظَ بَعْدَ ذلِكَ أَظْهَرُ فِي إِفَادَةِ التَّأَخُّرِ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَلِأَنَّ أَنْظَارَ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ تَرَى أَنَّ الْأَرْضَ كُرَةٌ انْفَصَلَتْ عَنِ الشَّمْسِ كَبَقِيَّةِ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ مِنَ النِّظَامِ الشَّمْسِيِّ. وَظَاهِرُ سِفْرِ التَّكْوِينِ يَقْتَضِي أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ مُتَقَدَّمٌ عَلَى الْأَرْضِ. وَأَحْسَبُ أَنَّ سُلُوكَ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ
أُسْلُوبَ الْإِجْمَالِ فِي هَذَا الْغَرَضِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَ أَصْحَابِ النَّظَرِيَّتَيْنِ.
وَالسَّمَاءُ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الْجَوُّ الْمُحِيطُ بِالْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ خَلْقِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْكَوَاكِبُ الْعُلْوِيَّةُ وَذَلِكَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فَالْكَوَاكِبُ أَعْظَمُ مِنَ الْأَرْضِ فَتَكُونُ أَسْبَقَ خَلْقًا وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ مُلَاحَظًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْمُلَاحَظِ فِيهَا الِاحْتِمَالُ الْآخَرُ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست