responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 383
لَمَّا ذَكَرَ مِنْ مَحَاسِنِهَا جُمْلَةً نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ آخَرَ أَهَمَّ فِي صِفَاتِ عُنُقِهَا وَهُوَ طُولُ قَامَتِهَا قَالَ الْمَرْزُوقِيُّ فِي «شَرْحِ الْحَمَاسَةِ» فِي شَرْحِ قَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيِّ (¬1) :
لَا يَكْشِفُ الْغَمَّاءَ إِلَّا ابْنُ حَرَّةَ ... يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا
إِنَّ ثُمَّ وَإِنْ كَانَ فِي عَطْفِهِ الْمُفْرَدَ عَلَى الْمُفْرَدِ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّهُ فِي عَطْفِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا اهـ. وَإِفَادَةُ التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي عَطْفِ ثُمَّ لِلْجُمَلِ سَوَاءٌ وَافَقَتِ التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ مَعَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ مَعْطُوفُهَا مُتَقَدِّمًا فِي الْوُجُودِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ مُرَادًا مِنْهُ الْبَعْدِيَّةُ فِي الرُّتْبَةِ وَإِنْ كَانَ عَكْسَ التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ فَتَكُونُ الْبَعْدِيَّةُ مَجَازِيَّةً مَبْنِيَّةً عَلَى تَشْبِيهِ الْبَوْنِ الْمَعْنَوِيِّ بِالْبُعْدِ الْمَكَانِيِّ أَوِ الزَّمَانِيِّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ [الْقَلَم: 11- 13] فَإِنَّ كَوْنَهُ عُتُلًّا وَزَنِيمًا أَسَبَقُ فِي الْوُجُودِ مِنْ كَوْنِهِ هَمَّازًا مَشَّاءً بِنَمِيمٍ لِأَنَّهُمَا صِفَتَانِ ذَاتِيَّتَانِ بِخِلَافِ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التَّحْرِيم: 4] . فَإِذَا تَمَحَّضَتْ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ حُمِلَتْ عَلَيْهِ وَإِنِ احْتَمَلَتْهُ مَعَ التَّرَاخِي الزَّمَنِيِّ فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَرْزُوقِيِّ: «فَإِنَّهُ فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ» إِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ التَّرَاخِيَ الزَّمَنِيَّ. وَلَكِنْ يَظْهَرُ جَوَازُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمَعْطُوفُ بِهَا مُتَأَخِّرًا فِي الْحُصُولِ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك أهم كَمَا فِي بَيْتِ جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ. قُلْتُ وَهُوَ إِمَّا مَجَازٌ
مُرْسَلٌ أَوْ كِنَايَة، فَإِن أَلْقَت (ثُمَّ) وَأُرِيدَ مِنْهَا لَازِمُ التَّرَاخِي وَهُوَ الْبُعْدُ التَّعْظِيمِيُّ كَمَا أُرِيدَ التَّعْظِيمُ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْبَعِيدِ، وَالْعَلَاقَةُ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً إِلَّا أَنَّهَا لِشُهْرَتِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَاسْتِعْمَالِهِمْ وَمَعَ الْقَرَائِنِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ مَرْدُودًا.
وَاعْلَمْ أَنِّي تَتَبَّعْتُ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ فِي مَوَاضِعِهِ فَرَأَيْتُهُ أَكْثَرَ مَا يَرِدُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْجُمَلُ إِخْبَارًا عَنْ مُخْبَرٍ عَنْهُ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا اخْتَلَفَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فَإِنَّ (ثُمَّ) تَتَعَيَّنُ لِلْمُهْلَةِ الزَّمَنِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَة: 84، 85]
¬
(¬1) يحْتَمل أَنه أَرَادَ بغمرات الْمَوْت مواقع الْقِتَال وملاحمه الَّتِي لَا يطْمع الدَّاخِل فِيهَا بالسلامة فَيكون قَوْله ثمَّ يزورها للمهلة الْحَقِيقِيَّة، وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالغمرات مَا يُصِيب الكمي من ثخين الْجراح وحلول سَكَرَات الْمَوْت فَيكون قَوْله ثمَّ يزورها للتَّرْتِيب الرتبي.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست