قال: فعجبنا من ذلك، مع شدّة تقشّف أبي خازم، و بغضه [2] ، و ورعه، و تقبّضه.
فقال لي الوزير: باللّه يا أبا إسحاق، بكّر إلى أبي خازم، و سله عن هذا الشعر و سببه.
فباكرته، و جلست حتى خلا وجهه، و لم يبق إلاّ رجل بزيّ القضاة عليه قلنسوة، فقلت له: شيء أقوله على خلوة.
فقال: قل، فليس هذا ممّن أكتم.
فقصصت عليه الخبر، و سألته عن الشعر و السبب.
فتبسّم، و قال: هذا شيء كان في الحداثة، قلته في والدة هذا-و أومأ إلى القاضي الجالس، فإذا هو ابنه-و كنت إليها مائلا، و كانت لي مملوكة، و لقلبي مالكة، أمّا الآن فلا عهد لي بمثله منذ سنين، و ما عملت شعرا منذ دهر طويل، و أنا أستغفر اللّه مما مضى.
قام: فوجم الفتى، و خجل، حتى ارفضّ عرقا.
و عدت إلى القاسم فأخبرته، فضحك من خجل الابن، [و قال: لو سلم من العشق أحد، لكان أبو خازم مع بغضه] [3] .
و كنّا نتعاود ذلك زمانا.
[1] أبو خازم القاضي: عبد الحميد بن عبد العزيز، أصله من البصرة، و سكن بغداد، و ولي القضاء بالشام و الكوفة و بغداد. توفي أبو خازم في سنة 292 (المنتظم 6/55) .
[2] البغض هنا من البغاضة: و هو اصطلاح بغدادي تطلق بحسبه كلمة: بغيض على المسرف في التقشف و التزمت و الوقار. و في ط: تعصبه.