و قال:
ليس عندي خطب النوى بعظيم # فيه روح و فيه كشف غموم
إنّ فيه اعتناقة لوداع # و انتظار اعتناقة لقدوم
و لو فهم النّاس التّلاقي و حسنه # لحبّب من أجل التّلاقي التفرّق
فيا حسننا و الدّمع بالدمع واشج # نمازجه و الخدّ بالخدّ ملصق [1]
فلم تر إلا مخبرا عن صبابة # بشكوى و إلا عبرة تترقرق
و من قبل قبل التلاقي و بعده # نكاد بها من شدّة اللثم نشرق [2]
عذر نارك توديع محبوبه
كتب بعضهم: ما أعرضت عن تشييعك إلا استفظاعا لتوديعك و ما كرهت توديعك إلا كراهة تجديد العهد بفراقك. قال البحتري:
لا تعذلني في مسيـ # رك يوم سرت و لم ألاقك
أني عرفت مواقفا # للبين تسفع غرب ماقك [3]
و علمت أن لقاءنا # سبب اشتياقي و اشتياقك
قال الصنوبري:
بأبي من هربت من توديعه # و بعثت الدموع في تشييعه
البكاء عند التوديع
لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب بن الزبير تعلقت به امرأته عاتكة فبكت و أبكت جواريها، فقال عبد الملك: قاتل اللّه ابن أبي جمعة حيث قال:
إذا ما أراد الغزو لم يثن عزمه # حصان عليها نظم درّ يزينها [4]
نهته فلمّا لم تر النهي عاقه # بكت فبكى ممّا دهاها قطينها [5]
و ممّا دهاني أنّها يوم أعرضت # تولّت و ماء العين في الجفن حائر [6]
[1] واشج: ممتزج.
[2] نشرق: نغصّ-اللثم: التقبيل.
[3] الغرب: الدمع-ماقك: مخفّف: مآقيك.
[4] لم يثن عزمه: لم يمنعه-الحصان: المرأة العفيفة.
[5] عاقه: منعه-القطين: أهل الدار و الخدم و الأتباع.
[6] أعرضت: صدّت و جفت-ماء العين: الدمع.