و قال:
نزلنا مكرهين بها فلمّا # ألفناها خرجنا مكرهينا
و ما حبّ البلاد بنا و لكن # أمرّ العيش فرقة من هوينا
الحنين إلى البادية و التبرّم بالحاضرة
قال بعض الأعراب المتوجهين إلى خراسان في زمن عثمان رضي اللّه عنه يقول:
بلغت إلى حلوان و القلب نازع # إلى أهل نجد أين حلوان من نجد
لجثجاث أرض حين يضربه الندى # أحب و أشهى عندنا من جنى الورد [1]
قيل لزينب أم حسانة الضبية و هي قاعدة على حافة بركة في وسط رياض و أزاهر: أ ما ترين حسن هذا المكان؟فأطرقت ساعة و قالت:
أقول لأدنى صاحبي أسرّه # و للعين دمع يحدر الكحل ساكبه [2]
أحبّ إلينا من صهاريج ملئت # للعب و لم تملح إليّ ملاعبه [3]
فيا حبّذا نجد و طيب هوائه # إذا أهضبته بالعشيّ هواضبه [4]
و ريح صبا نجد إذا ما تنسّمته # ضحى و سرت جنح الظلام خبائبه [5]
فأقسم لا أنساه ما دمت حيّة # و ما دام ليل عن نهار يعاقبه
و لا زال هذا القلب مسقيّ لوعة # بذكراه حتّى يترك الماء شاربه
الحنين إلى منزل لا يرجى لحوقه
و قال لرجل من بني طهم:
أحنّ إلى نجد و إني لآيس # طوال الليالي من قفول إلى نجد
يقرّ بعيني أن أرى رملة الفضا
و قال آخر:
فلست و إن أحببت من يسكن الفضا # بأول راج راحة لا ينالها
و قال المتنبّي:
أحنّ إلى أهلي و أهوى لقاءهم # و أين من المشتاق عنقاء مغرب [6]
[1] الجثجاث: لعلها لجثيث و هو غسيل النخل-الندى: الطلّ.
[2] يحدر الكحل: يسبله و يجعله ينحدر.
[3] الصهاريج: أحواض الماء.
[4] أهضبته الهواضب: نزلت فيه الأمطار أو دفعات المطر.
[5] الصبا: ريح لينة مهبّها من جهة الشرق-الخبائب: جمع خبيبة و هي الشريحة من اللحم.
[6] عنقاء مغرب: العنقاء طائر لم يوجد، و قوله: عنقاء مغرب كناية عن استحالة الشيء و بطلانه.