و قال آخر:
و ما زالت الأيام تستدرج الفتى # و تملي له من حيث يدري و لا يدري
لقد غرّت الدنيا رجالا فأصبحوا # بمنزلة ما بعدها متحوّل
يعلّلنا هذا الزمان من الوعد # و يخدع عمّا في يديه من النّقد
فذي الدار أخدع من مومس # و أخون من كفّة الحابل [1]
و هذا مثل ما قيل: الدنيا قحبة، يوما عند عطار و يوما عند بيطار.
النهي عن الاغترار بأوقاتها
قيل: لا تغتر بصفاء الأوقات، فتحتها غوامض الآفات، و قيل: لا يغرّنك الإملاء فالإملاء من الاستدراج، و اللّه تعالى يقول: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاََ يَعْلَمُونَ `وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [2] .
و قيل: مثل الدنيا مثل الحية ليّن مسّها و في جوفها السم الناقع، يهوي إليها الصبي الجاهل و يحذرها الحازم العاقل.
و قال شاعر:
إنّ دنياك حيّة تنفث السّ # مّ و إن كانت المجسّة لانت [3]
و قال أبو عمرو بن العلاء: كنت أدور في ضيعتي في شدّة الحر فسمعت هاتفا يقول:
و إن امرأ أدنياه أكبر همّه # لمستمسك منها بحبل غرور
فنقشت ذلك على خاتمي.
و قال الشاعر:
يا واثقا بزمانه # أخطر تصرفه ببالك
و وجد بخط نصر بن أحمد:
و لا تخدعنّك صروف الزمان # فإن الزمان كثير الخدع [4]
[1] الحابل: الساحر.
[2] القرآن الكريم: الأعراف/182، 183، .
[3] المجسة: ملمس الحية أو موضع الجسّ.
[4] الصروف: الأحداث و التقلّبات.