نام کتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 2 صفحه : 211
المتبجّح منهم بالصبر على الضرب
قال أبو معن الزنجي: و كان النظّام يقول لو ادعى النبوّة و أن معجزته الصبر على الضرب بالسياط لأدخل عليهم به شبهة عظيمة.
و قال عثمان الخياط: ضربته يوما بشمراخ [1] رطب فالتوى التواء الحية و كاد يواثبني.
فقلت: أ هذا صبرك؟فقال: إنك لم تتعمد أحسبت أن صبري على السياط طبيعة إنما هو الكظم و الصبر على قدر النظارة أ لا ترى أنه قيل: أصبر الناس من ضرب في السجن خمسين سوطا لأنه إذا لم يكن من يمدحه تألم و إذا كان بين الناس بحيث يرونه فهو العزم و المروءة و القيام بالفتوّة.
و قال بعضهم ضربت بالمدينة ثلاثين حدا على ثلاثين سكرا فما قلت: حس، و إن أحدكم ليتألّم من دون حد.
قيل لبعضهم: من أصبر من رأيت؟قال: عرفت صبر الهند على النيران و صبر الأعراب على مدّ الأعناق لسيوف السلطان و صبر السند على قطع الآذان و جدع الأنوف و لم أر أصبر من الفتيان تحت الضرب و الثاني ربما يزهق في ألف درهم و عنده عشرة آلاف فيضرب سوطا أو سوطين فيخرج عن أهله و عشيرته.
أتى بعضهم بزازا [3] في غدوة و هو فارس مع غلام فقال: ائتني بجراب بلخيّ و جراب مرويّ و عجل و خذ الثمن فأخرج ذلك و ساومه و أطمع التاجر. و قال: ائتني بآخر فلما دخل الحانوت قال: ما أضيع متاعكم و أنتم تسخرون بالناس لو أن إنسانا أخذ متاعك هذا و قفل الباب هكذا ما كنت تفعل. فحرك التاجر الباب يظن أنه يلعب فإذا هو قد مرّ إلى الساعة.
و دخل آخر على قوم فقال أحدهم: ما في الدنيا أعجب من فلان ترمي بخاتمك في الهواء فإن شئت أتاك به و إن شئت بغيره. فقال أنا أريكم ما هو أعجب من هذا. هاتوا خواتيمكم فأخذها كلّها فجعلها في أصابعه و جعل يمشي القهقرى و يصفر، و ينظر إلى عين الشمس حتى غاب عن أعينهم فطلبوه فلم يجدوه. فقالوا: هذا و اللّه أعجب.
و صلّى بعضهم مع قوم فلما سجدوا تناول نعلا كأنه يريد أن يقتل عقربا فضرب بها ثم الآخر بيساره كأنّه يريد أن يتناولها فيرمي بها و يعود إلى الصلاة فمرّ بالنعل.
و أكترت امرأة دارا ثم أظهرت أنها تريد تجصيصها لأنها تريد أن تزوج فيها ابنها، فأكترت أجراء و أخذت من الجيران آلات و جمعت متاع الاجراء و الآلات في بيت ثم ذهبت.
[1] الشمراخ: الغصن الدقيق الرخص ينبت في أعلى الغصن الغليظ، و الشمراخ أيضا العذق عليه بسر أو عنب.