مدح كلام وسط
خير الكلام ما لا يكون عاميا سوقيا و لا عربيا وحشيّا. و قيل: الإيغال [1] في البلاغة معجزة، و الخروج عن كلام أهل الزمان هجنة.
قال أبو الأسود الدؤلي لابنه: يا بنيّ إذا كنت في قوم فلا تتكلّم بكلام من لم يبلغه سنّك فيستثقلوك، و لا بكلام من هو دونك فيستحقروك.
مفاضلة الرواية و البديهة
قال معاوية لعمرو بن العاص: أنا آدب منك، فقال: أنت للرويّة و أنا للبديهة و بينهما بون [2] .
و قال ابن الرومي:
نار الرويّة نار غير منضجة # و للبديهة نار ذات تلويح
و قد يفضّلها قوم لعاجلها # لكنّه عاجل يمضي مع الرّيح
فضل البديهة و ما يحاضر به
قيل: خير الفقه ما حضرت به، و لا خير في علم لا يعبر معك الوادي و لا يعمر بك النادي. و قال الحطيئة:
فهذا بديه لا كتحبير قائل # إذا ما أراد القول دوره شهرا
و قال المتنبي:
أبلغ ما يطلب النجاح به الطبـ # ـع و عند التعمّق الزلل
النهي عن التشادق و التقعّر و ذمّهما
قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: إن أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون [3] المتشدّقون [4] . و قال: صلى اللّه عليه و سلم إياك و التشادق.
و قال بشر بن المعتمر [5] إيّاك و التقعر [6] فإنّه يسلمك إلى التعقيد، فيستهلك معانيك، و يمنعك من مراميك.
و قال تشقيق البيان من شقاشق الشيطان.
و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم شعبتان من النفاق البذاء [7] و البيان، و شعبتان من الإيمان: الحياء و العيّ [8] ،
[1] الإيغال: مصدر و غل يغل و غولا في الشيء: أي دخل فيه و ذهب بعيدا، و أوغل: أسرع، و الإيغال الإسراع.
[2] البون: الفرق.
[3] المتفيهق: الذي يتوسّع في الكلام.
[4] المتشدّق: من شدق شدقا: اتسع شدقه و هو زاوية الفم، و ذلك للتفصّح.
[5] بشر بن المعتمر: أحد شيوخ المعتزلة، عاصر هارون الرشيد.
[6] التقعّر: التعمّق في الكلام، و التقعّر إخراج الكلام من الحلق.
[7] البذاء: الكلام السفيه، السافل.
[8] العيّ: العجز عن البيان.