نام کتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 572
(5) و ممّا جاء في الاكتساب و الإنفاق
الحثّ على تثمير المال في الصّغر و الكبر
حكي أن كسرى مرّ بشيخ كبير يغرس فسيلا [1] ، فقال له يا هذا: كم أتى عليك من العمر؟قال: ثمانون سنة، قال أ فتغرس فسيلا بعد الثمانين. فقال: أيها الملك لو اتكل الآباء على هذا لضاع الأبناء. قال كسرى: زه [2] يأخذ أربعة آلاف درهم. فقال: أيها الملك:
الفسيل يطعم بعد سنين من غرسه و هذا قد أطعمني في سنته فقال: زه يأخذ أربعة آلاف درهم فقال: أيها الملك: الفسيل يطعم في السنة مرة و هذا قد أطعمني في أوّل السنة مرتين، فقال:
زه يأخذ أربعة آلاف درهم، فقال الوزير: إن لم ينهض الملك أردى هذا بحكمته بيت المال.
تثمير ذي مال كثير لمال حقير
قال سعيد: ولاني عتبة بن أبي سفيان ماله بالحجاز، فقال: تعهد صغير مالي يكبر و لا تجف كبيره فيصغر، فإنه ليس يمنعني كثير ما في يدي من إصلاح قليل مالي، و لا يشغلني قليل ما في يدي عن الصبر على كثير ما ينوبني. و أتى قوم قيس بن عبادة يسألونه حمالة، فصادفوه في حائط له يتبع ممّا يسقط من الثمر فيعزل جيده و رديئه، فقاموا حتى فرغ، فكلّموه في ذلك، فبذل لهم ما أرادوا، فقال بعضهم: صنيعك هذا مناف لترقيح [3] عيشك، فقال: بما رأيتم من فعلي أمكنني أن أقضي حاجتكم. و قال زياد: لو أن لي ألف ألف درهم و لي بعير أجرب لقمت به قيام من لا يملك غيره، و لو أن عندي درهما واحدا فلزمني حق لوضعته فيه. قال الوليد بن يزيد:
لأجمعن جمع من يعيش أبدا و لأنفقنّه إنفاق من يموت غدا.
التمدح بالتكسّب و الحثّ على ذلك
قال اللّه تعالى: وَ اِبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اَللََّهِ[4] ، فدل على وجوب الطلب أو فضيلته. قال الموصلي: عليكم بالتكسب فأوّل ما يبدأ به الفقر دين الإنسان. و لما أقبل النبي صلّى اللّه عليه و سلم من غزوة تبوك استقبله معاذ فصافحه، فقال: كبنت يداك، قال: نعم أحترث بالمسحاة و أنفقه على عيالي فقبله، و قال لا تمسها النار. و قال بعض الحكماء: لا تدع الحيلة في التماس الرزق بكل مكان فالكريم محتال و الدنيء عيال.
قال عروة بن الورد:
إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه # شكى الفقر أو لام الصديق فأكثرا