قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه: إنّ الرجل إذا ملك زهّده اللّه فيما في يده و رغّبه فيما لغيره و أشرب قلبه الإشفاق. فهو يحسد على القليل و يتسخط الكثير. لما فرغ جعفر ابن يحيى من بناء قصره صار إليه وجوه أصحابه و فيهم مؤنس بن عمران و كان رجلا كاملا فاستحسنوه، و مؤنس ساكت. فقال جعفر: لم لا تتكلم؟فقال: فيما قالوه كفاية. فألحّ عليه أن يقول شيئا فقال مؤنس: أتصبر على الحق و الصدق. قال نعم فقال: إن خرجت و مررت بدار لبعض أصحابك تشبهها أو تفوقها، ما أنت قائل؟قال: قد فهمت فما الرأي؟ فقال له: تأتي أمير المؤمنين و تقول: إني قد بنيت هذا القصر للمأمون و اتبعه من الكلام ما أنت أعلم به. فسأله الرشيد عن خبره فقال له ذلك، و قال له: إني استعملت لكل بيت من الفرش ما يليق به، فزال عن قلب الرشيد ما خامره.
و قال الشعبي: وجهني عبد الملك إلى ملك الروم فلما انصرفت دفع إلي كتابا مختوما فلما قرأه عبد الملك رأيته تغيّر و قال: يا شعبي أعلمت ما كتب هذا الكلب، قلت: لا.
قال: إنه كتب لم يكن للعرب أن تملك إلا من أرسلت به إلي. فقلت: يا أمير المؤمنين إنّه لم يرك و لو رآك لكان يعرف فضلك، و إنه حسدك على استخدامك مثلي. فسرّي عنه، و قيل: إذا أردت أن تسلم من حسد سلطانك فعم عليه مجامع شأنك.
ما لا يستقبح فيه الحسد
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه اللّه ما لا ثم أنفقه في حقّ، و رجل آتاه اللّه حكمة فهو يقضي بها. و قال أرسطوطاليس: الحسد حسدان محمود و مذموم فالمحمود أن ترى عالما فتشتهي أن تكون مثله أو زاهد فتشتهي مثل فعله و المذموم أن ترى عالما أو فاضلا فتشتهي أن يموت.
المتبجّح بكونه حسودا
اجتمع ثلاثة نفر فقال أحدهم لصاحبه: ما بلغ من حسدك؟قال: ما اشتهيت أن أفعل بأحد خيرا قط. فقال الثاني: إنك رجل صالح أنا ما اشتهيت أن يفعل أحد بأحد خيرا قط. فقال
[1] أبرّ (عليه) : غلب وفاق-التبريز: التفوّق في الفضل أو الشجاعة.