نام کتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 271
للمظلوم و ابلغ تحذير للظالم على مدارجة العقوبة و إن تنفست مدته. و قيل لعمر رضي اللّه عنه: كان الرجل في الجاهلية يظلم فيدعو على من ظلمه فيجاب عاجلا و لا نرى ذلك في الإسلام، فقال: كان هذا جزاء بينهم و بين الظلم و إنّ موعدكم الآن الساعة و الساعة أدهى و أمرّ. و قيل: إنما تندمل من المظلوم جراحه إذا انكسر من الظالم جناحه.
الظلم في أخذ الأرض
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة. قال أحمد بن واضح:
يا قابض الضّيعة من نسوة # ضعفا و إيتام لسلطانه
يجأرن بالليل إلى خالق # إغاثة الملهوف من شأنه
لا يأخذ الضيعة ذو قدرة # يريد أن تبقى لصبيانه
و مما يقرب من السخف في هذا أن رجلا كان له قطعة من أرض بجنب أرض لرجل، فكان يضم كل سنة قطعة منها إلى أرضه. فقال له يوما: ما هذا النقصان في أرضنا؟فقال: أ ما سمعت قول اللّه تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنََّا نَأْتِي اَلْأَرْضَ نَنْقُصُهََا مِنْ أَطْرََافِهََا[1] قال: فما هذه الزيادة في أرضك؟قال: ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء، قال: فمن أين أوتيت الفضل و أوتيت النقص في ذلك؟فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.
التحذير من معاونة الظالم
روي أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: من أعان ظالما سلطه اللّه عليه. و قال المأمون لبعض ولاته:
لا تظلم لي فيسلطني اللّه عليك.
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: ليس للظالم عهد فإن عاهدته فانقضه فإن اللّه تعالى يقول: لاََ يَنََالُ عَهْدِي اَلظََّالِمِينَ[2] .
و سمعت بعض العلماء يقول: ما ظلمت أحدا قطّ لغيري فإنى إذا ظلمت ظلمت نفسي. و يشبه ذلك ما يحكى أن عاملا عزل عن عمله بغيره، فقال المولى لمن ولى مكانه:
أعرني دواتك لأكتب منها حرفا فقال: لا فإني لا أستحل معاونة الظلمة، و لا أحب أن يكتب من دواتي ظالم. فقال: أ لم تك تكتب منها آنفا؟فقال: إني أحرق بالنار نفسي لنفسي و لا أحرقها لغيري.
و قيل لأبي مسلم صاحب الدولة: قد قمت مقاما لا يقصر بك عن الجنة في إزالة دولة بني أمية و إقامة شعار بني العباس. فقال: لخوفي من النار أولى من طمعي في الجنة فإني أطفأت من بني أميّة جمرة ألهبت بها نيرانا لبني العباس و سأحرق بها.