قال الأحنف: لا تنقبضوا عن السلطان و لا تتهالكوا عليه فإن من أشرف له أذراه و من تضرع له تخطاه. و قيل: انقبض عن السلطان ما أمكنك فالسلطان ذو عذاب و بدوات، و هو في قلة وفائه لاصحابه و سخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغي و المكتب، كلما ذهب واحد جاء آخر. كان النعمان دعا بحلّة [2] و عنده وفود العرب و قال: احضر و في غد فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم فحضر القوم إلا أوسا فقيل له: لم تأخرت؟فقال: إن كنت المراد فإني أدعي و إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء أن لا أكون أنا حاضرا فلما جلس النعمان و لم ير أوسا بعث إليه فقال: احضر و أنت آمن فأحضره و ألبسه الحل.
قيل: الدالة تفسد الحرمة و تهدم المنزلة، و قال هشام: إنّ فلانا أدل فأمل و أوجف [4]
فأعجف [5] و لم يدع ليرجع إليه مرجعا و قد مضى في الإخوانيات مثل ذلك.
مخالطة السلطان
قيل: جاور ملكا أو بحرا. و قيل: لم يعر من النوك من لم يخدم الملوك، و قيل: من كان وضيع الهمة لم يصبر لدى الملوك على الخدمة. و قال عبد اللّه: من نزع عنا [6] لم ينتفع بنا، و قيل لبعضهم: لا تصحب السلطان، فمثل السلطان مثل القدر من مسه سوّده. فقال:
لئن كان خارج القدر أسود فداخلها لحم كثير و طعام لذيذ.
قال الرشيد ليزيد بن مزيد: في لعب الصوالج: كن مع عيسى بن جعفر، فأبى، فغضب الرشيد و قال: أ تأنف أن تكون معه؟فقال: حلفت على أن لا أكون على أمير المؤمنين في جد و لا هزل، فسكن.
قال بعض الخلفاء لجرير: أني أعددتك لأمر، فقال: إن اللّه تعالى قد أعدّ لك مني قلبا معقودا بنصيحتك، و يدا مبسوطة بطاعتك، و سيفا مشحوذا على عدوّك.