نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 268
بعض الحكماء، فأمرهم بنقل الفواخت إليها، ففعلوا ذلك، فانقطعت الحيات عنها. و هي عراقية و ليست بحجازية، و فيها فصاحة و حسن صوت، و صوتها يشبه المثلث، و في طبعها الانس بالناس و تعيش في الدور، و العرب تصفها بالكذب، فإن صوتها عندهم، هذا أوان الرطب، و تقول ذلك و النخل لم يطلع، قال الشاعر:
أكذب من فاختة # تقول وسط الكرب
و الطلع لم يبدلها # هذا أوان الرطب
قلت: و يحتمل أنها إنما وصفت بالكذب، لما قاله الغزالي رحمه اللّه تعالى، في الإحياء، في أواخر كتابي الصبر و الشكر، إن كلام العشاق الذين أفرط حبهم يستلذ بسماعه، و لا يعول عليه، كما حكى أن فاختة كان يراودها زوجها، فمنعته نفسها، فقال لها: ما الذي يمنعك عني؟و لو أردت أن أقلب لك ملك سليمان ظهرا لبطن لفعلت لأجلك؟فسمعه سليمان عليه الصلاة و السلام، فاستدعاه و قال: ما حملك على ما قلت؟فقال: يا نبي اللّه إني محب، و المحب لا يلام و كلام العشاق يطوى و لا يحكى، و هو كما قال الشاعر:
أريد وصاله و يريد هجري # فاترك ما أريد لما يريد
و قد تقدم في العصفور نظير هذا.
فائدة
: اعلم أن الناس قد كثر كلامهم، في وصف المحبة، و نعت العشق، فسلك كل منهم مذهبا أداه إليه نظره و اجتهاده، و سأختصر من أقوالهم قدرا يسيرا كافيا.
قال عبد الرحمن بن نصر: أهل الطب يجعلون العشق مرضا، يتولد من النظر و السماع، و يجعلون له علاجا كسائر الأمراض البدنية، و هو مراتب و درجات بعضها فوق بعض.
فأول مرتبة منه تسمى الاستحسان، و هي المتولدة من النظر و السماع، ثم تقوى هذه المرتبة بطول الذكر في محاسن المحبوب و صفاته الجميلة، فتصير مودة، و هي الميل إليه و التألف بشخصه، ثم تتأكد المودة فتصير محبة، و المحبة هي الائتلاف الروحاني، فإذا قويت هذه المرتبة صارت خلة، و الخلة من الآدميين هي تمكن محبة أحدهما من قلب صاحبه، حتى تسقط بينهما السرائر، فإذا قويت هذه المرتبة صارت هوى، و الهوى هو أن المحب لا يخالطه في محبة محبوبه تغير، و لا يداخله تلون، ثم يزيد الحال فيصير عشقا، و العشق هو إفراط المحبة حتى لا يخلو المعشوق من تخيل العاشق، و فكره و ذكره لا يغيب عن خاطره و ذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس عن تنبيه القوى الشهوانية، فيمتنع من الطعام و الشراب لاشتغال النفس عن تنبيه القوى الشهوانية، و يمتنع من الفكر و الذكر و التخيل و النوم، لاستضرار الدماغ، فإذا قوي العشق صار تيما، و في هذه الحالة لا يوجد في قلبه فضل لغير صورة المعشوق، و لا ترضى نفسه سواها، فإذا تزايد الحال صار و لها، و الوله هو الخروج عن الحدود و الترتيب، فتتغير صفاته، و لا تنضبط أحواله، و يصير موسوسا لا يدري ما يقول، و لا أين يذهب فحينئذ تعجز الأطباء عن مداواته، و تقصر آراؤهم عن معالجته، لخروجه عن الحد الضابط. و قد أجاد القائل حيث قال:
نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 268