و هرب الحجاج في بعض حروبه مع شبيب من غزالة، فعيره عمران بن قحطان [2] السدوسي بقوله [3] :
أسد علي و في الحروب نعامة # فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا كررت إلى غزالة في الوغى # بل كان قلبك في جناحي طائر
و حكي أن الحجاج، لما برز له شبيب الخارجي، في بعض أيام محاربته، أبرز إليه غلاما له ألبسه لباسه المعروف به، و أركبه فرسه الذي لم يكن يقاتل إلا عليه، فلما رآه شبيب غمس نفسه في الحرب إلى أن خلص إليه، فضربه بعمود، و كان بيده، و هو يظنه الحجاج، فلما أحس الغلام بالضربة، قال: أخ بالخاء المعجمة، فعرف شبيب منه بهذه اللفظة، أنه عبد فانثنى عنه، و قال:
قبح اللّه ابن أم الحجاج، أ يتقي الموت بالعبيد؟.
قال الجوهري: و العرب إنما تنطق بهذه اللفظة بالحاء المهملة، و لما عجز الحجاج عن شبيب، بعث إليه عبد الملك عساكر كثيرة من الشأم، فتكاثروا على شبيب فهرب فلما حصل على جسر دجلة بالأهواز، نفر به فرسه و عليه الحديد الثقيل، من درع و نحوه فألقاه في الماء، فقال له بعض أصحابه: أغرقا يا أمير المؤمنين؟قال: ذلك تقدير العزيز العليم، فلما غرق ألقاه دجلة إلى الساحل، فحملوه إلى الحجاج فشق بطنه و استخرج قلبه، فإذا هو كالحجر، إذا ضربت به الأرض نبا عنها، فشق فكان داخله قلب صغير كالكرة، فشق فأصيب فيه علقة من الدم. و كان شبيب إذا صاح على الجيش لا يلوي أحد على أحد. و لما غرق أحضر عبد الملك عتبان الحروري، و هو يرى رأي الخوارج، فقال: يا عدو اللّه أ لست القائل [4] :
فإن يك منكم كابن مروان و ابنه # و عمرو و منكم هاشم و حبيب
فمنا حصين و البطين و قعنب # و منا أمير المؤمنين شبيب
فقال: لم أقل ذلك يا أمير المؤمنين، و إنما قلت: و منا أمير المؤمنين شبيب، فقبل قوله و عفا عنه.
و هذا الجواب في نهاية الحسن، فإنه إذا كان قوله و منا أمير المؤمنين شبيب مرفوعا كان مبتدأ فيكون شبيب أمير المؤمنين، و إذا نصب، كان معناه و منا يا أمير المؤمنين شبيب.
و لم يخرج عليهم أحد مثل شبيب، فإن أيامه طالت و هزم عساكر كثيرة وجبى الخراج و قال أبو يوسف الجوهري: