نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 1 صفحه : 275
تحيّة من ألبسته منك نعمة # إذا زار عن شحط بلادك سلّما [1]
و ما كان قيس هلكه هلك واحد # و لكنه بنيان قوم تهدّما
و فود العرب على كسرى
ابن الفطامي عن الكلبيّ قال: قدم النعمان بن المنذر على كسرى و عنده و فود الروم و الهند و الصين، فذكروا من ملوكهم و بلادهم. فافتخر النعمان بالعرب و فضّلهم على جميع الأمم، لا يستثنى فارس و لا غيرها، فقال كسرى و أخذته عزة الملك: يا نعمان، لقد فكرت في أمر العرب و غيرهم من الأمم، و نظرت في حال من يقدم عليّ من وفود الأمم، فوجدت الروم لها حظّ في اجتماع ألفتها، و عظم سلطانها، و كثرة مدائنها، و وثيق بنيانها: و أنّ لها دينا يبيّن حلالها و حرامها و يردّ سفيهها و يقيم جاهلها.
و رأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها و طبّها، مع كثرة أنهار بلادها و ثمارها، و عجيب صناعاتها، و طيّب أشجارها، و دقيق حسابها، و كثرة عددها. و كذلك الصين في اجتماعها. و كثرة صناعات أيديها في آلة الحرب و صناعة الحديد، و فروسيّتها و همتها، و أنّ لها ملكا يجمعها. و الترك و الخزر على ما بهم من سوء الحال في المعاش، و قلّة الريف و الثمار و الحصون، و ما هو رأس عمارة الدنيا من المساكن و الملابس، لهم ملوك تضمّ قواصيهم و تدبّر أمرهم. و لم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين و لا دنيا، و لا حزم و لا قوة، مع أن مما يدل على مهانتها و ذلّها و صغر همتها، و محلّتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة، و الطير الحائرة، يقتلون أولادهم من الفاقة، و يأكل بعضهم بعضا من الحاجة، قد خرجوا من مطاعم الدنيا و ملابسها، و مشاربها و لهوها و لذّاتها، فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها و سوء طعمها و خوف دائها، و إن قرى أحدهم ضيفا عدّها مكرمة، و إن أطعم أكلة عدّها غنيمة؛ تنطق بذلك أشعارهم، و تفتخر بذلك رجالهم، ما خلا هذه التّنوخيّة التي