نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 1 صفحه : 252
فقد نبّئت أنك تتحرّى فيه. قال: يا أمير المؤمنين، لنا مال يخرج لنا منه فضل، فإذا كان ما خرج قليلا أنفقناه على قلّته، و إن كان كثيرا فكذلك، غير أنا لا ندّخر منه شيئا عن معسر و لا طالب و لا مستحمل، و لا نستأثر منه بفلذة لحم و لا مزعة [1]
شحم. قال: فكم يدوم لك هذا؟قال: من السّنة نصفها. قال: فما تصنع في باقيها؟ قال: نجد من يسلفنا و يسارع إلى معاملتنا. قال: ما أحد أحوج إلى أن يصلح من شأنه منك. قال: إن شأننا لصالح يا أمير المؤمنين، و لو زدت في مالي مثله ما كنت إلا بمثل هذه الحال. فأمر له معاوية بخمسين ألف درهم، و قال: اشتر بها ضيعة تعينك على مروءتك. فقال سعيد: بل أشترى بها حمدا و ذكرا باقيا. أطعم بها الجائع، و أزوج بها الأيّم، و أفكّ بها العاني [2] ، و أواسي بها الصديق، ما و أصلح بها حال الجار فلم تأت عليه ثلاثة أشهر و عنده منها درهم. فقال معاوية: ما فضيلة بعد الإيمان باللّه هي أرفع في الذكر و لا أنبه في الشرف من الجود، و حسبك أن اللّه تبارك و تعالى جعل الجود أحد صفاته.
و من جوده أيضا ما حكاه الأصمعي، قال: كان سعيد بن العاص يسمر معه سماره إلى أن ينقضي حين من الليل، فانصرف عنه القوم ليلة و رجل قاعد لم يقم، فأمر سعيد بإطفاء الشمعة و قال: حاجتك يا فتى؟فذكر أنّ عليه دينا أربعة آلاف درهم.
فأمر له بها، و كان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه.
جود عبيد اللّه بن أبي بكرة
و من جود عبيد اللّه بن أبي بكرة أنه أدلى إليه رجل بحرمة، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال: أصلحك اللّه، ما وصلني أحد بمثلها قط، و لقد قطعت لساني عن شكر غيرك، و ما رأيت الدنيا في يد أحد أحسن منها في يدك، و لو لا أنت لم تبق لها بهجة إلا أظلمت، و لا نور إلا انطمس.