نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 290
[خطب و وصايا متخيرة]
قال: قام شداد بن أوس [1] و قد أمره معاوية بتنقص علي، فقال:
الحمد للّه الذي افترض طاعته على عباده، و جعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا خلقه، على ذلك مضى أولهم، و عليه يمضي آخرهم. أيها الناس، إن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، و إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر و الفاجر، و إن السامع المطيع للّه لا حجة عليه و إن السامع العاصي للّه لا حجة له، و إن اللّه إذا أراد بالعباد صلاحا عمل عليهم صلحاؤهم، و قضى بينهم فقهاؤهم، و ملك المال سمحاؤهم، و إذا أراد بهم شرا عمل عليهم سفهاؤهم، و قضى بينهم جهلاؤهم، و ملك المال بخلاؤهم.
و إن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. و نصح لك يا معاوية من أسخطك بالحق، و غشّك من أرضاك بالباطل.
قال: اجلس رحمك اللّه، قد أمرنا لك بمال!قال: إن كان من مالك الذي تعهّدت جمعه مخافة تبعته، فأصبته حلالا و أنفقته إفضالا، فنعم، و إن كان مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم [2] ، فأصبته اقترافا [3] ، و أنفقته إسرافا، فإن اللّه يقول في كتابه: إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كََانُوا إِخْوََانَ اَلشَّيََاطِينِ .
و أذن معاوية للأحنف بن قيس، و قد وافى معه محمد بن الأشعث، ثم أذن له فقدمه عليه فوجد من ذلك محمد بن الأشعث، ثم أذن له فدخل فجلس بين معاوية و الأحنف، فقال له معاوية: إنّا و اللّه ما أذنّا له قبلك إلا ليجلس إلينا دونك، و ما رأيت أحدا يرفع نفسه فوق قدرها إلا من ذلّة يجدها، و قد فعلت
[1] شداد بن أوس بن ثابت الخزرجي ابن أخي الشاعر حسان بن ثابت. فقيه ورع زاهد حليم. توفي أيام معاوية سنة 58 هـ.