ثم قال: و في الجارود بن أبي سبرة [2] لكم واعظ، و في أبي الحارث جمين زاجر. فقد كانا يدعيان الى الطعام، و إلى الإكرام، لظرفهما، و حلاوتهما، و حسن حديثهما، و قصر يومهما. و كانا يتشهيان الغرائب، و يقترحان الطرائف، و يكلفان الناس المؤن الثقال [3] و يمتحنان ما عندهم بالكلف الشداد. فكان جزاؤهم من إحسانهم ما قد علمتم.
بلال بن أبي بردة
قال: من ذلك أن بلال بن أبي بردة [4] كان رجلا عيّابا، و كان إلى أعراض الأشراف متسرعا، فقال للجارود: كيف طعام عبد اللّه بن أبي عثمان؟قال: يعرف و ينكر. قال: فكيف هو عليه؟قال: يلاحظ اللقم، و ينتهر السائل. قال: فكيف طعام سلم بن قتيبة [5] ؟قال: طعام ثلاثة، فإن كانوا أربعة جاعوا. قال: فكيف طعام تسنيم ابن الحواري؟قال: نقط العروس. قال: فكيف طعام المنجاب بن أبي عيينة؟قال: يقول: لا خير في ثلاث أصابع في صحفة. حتى أتى على عامة أهل البصرة، و على كل، من كان يؤثره بالدعوة، و بالآنسة، و الخاصة، و يحكمه في ماله. فلم ينج منه إلا من كان يبعده، كما لم يبتل به إلا من كان يقرّبه.
[1] و انهم إلي اسرع و في لحمي ارتع: اي انهم اسرع الى شتمي و النيل مني.
[2] الجارود بن أبي سبرة: كان شاعرا متشيّعا حسن الحديث.