بإحدى الرّياح أشدّ من تأذّيها بسائرها ، ويكون بعضها أوفق لهم وإن كانت أكرهها إلى غيرهم ، كالَّذي يذكر من أنّ الجنوب أحبّ الرّياح إلى أرض الحجاز في الشّتاء والصّيف ، ذكر ذلك أبو الحسن الأثرم . و عكاك : الجنوب يتعوّذ غيرهم منها قال ذو الرّمة شعرا :
إلى بلد لم ينتجعه بعكَّة * جنوب ولم يغرس بها النّخل غارس
وكالذي ذكره ابن الأعرابي عن الرّوحي من تأذّي أهل سابة والشّارة ونواحيها بالصّبا ، وكراهتهم لها ، وأنها إذا اشتدّ هبوبها عندهم طوى النّاس وطابهم ، لأنّ الألبان تقلّ ، والوطاب تجف لأنّها ترضع في ضروع الغنم أي ينشفه ، ومنزلهم بين مكَّة والمدينة ، هذا وإن كان الآخر قال : فإنّ الرّيح طيّبة قول . وقال طرفة :
و أنت على الأقصى صبا غير قرّة * تذاب منها مزرع ومسيل
وقال آخر :
فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت * على كبد حرّى تجلَّت غمومها
وزعم ابن الأعرابي أنّ الجنوب إنّما يشتدّ حرّها بالعراق ، فأمّا بالحجاز فلا . وأنشد قول كثيّر :
جنوب تسامى أوجه الرّكب مسّها * لذيذ ومسراها من الأرض طيّب
وهذا من حال الرّياح في دارنا وأوطاننا متعالم أيضا ، وكما اختلف في هذا الباب اختلف في الأمطار أيضا ، ولا زعم من ذلك ما ذكر عن أبي عبيدة أنه قال : الشّمال : عند العرب للرّوح ، والجنوب : للأمطار ، والأنداء واللَّثق والغمق والدّبور للبلاء ، وأهونه أن يكون غبارا عاصفا تقذي الأعين وهي أقلَّهن هبوبا ، والصّبا لإلقاح الأشجار . و يقال : إذا كان النّشأ من العين ثم ألقحته الجنوب - وأبست به الصّبا واستدرته الشمال - فذلك أجود ما يكون من المطر ، وأنشد في ذلك :
لتلقيحها هيج الجنوب * ويقبل الشّمال نتاجا
والصّبا جالب بمرى . وقال آخر :
مرته الصّبا وزهته الجنوب * وانتجفته الشّمال انتجافا