فصل في تبيين ما ذكر من كلام الأوائل في ذلك قالوا : إنّ الشّمس إذا مرّت على الأرض رفعت منها بخارين : بخارا رطبا وبخارا يابسا ، وكلّ واحد من البخارين قد يخالط البخار الآخر ، إلا أنّه يسمّى بالأغلب عليه منهما . فأمّا البخار الرّطب : فهو مادة الأمطار والأنداء كلَّها . و أمّا البخار اليابس فهو مادة الرّياح كلَّها ، وإنّما يختلف هذان البخاران لاختلاف مواضعهما التي ثارا منها . وأقلّ ما يكون هيج الرّيح بعد المطر وذلك أنّ الأرض تبتل بالمطر ، فلا يثور منها البخار اليابس الذي هو مادة الرّيح وكذلك يكون سكون الرّياح عند المطر وعند انقضائه . فأمّا حرارة ريح الجنوب : فمن قبل أنها تأتي من ناحية ممر الشّمس من بلاد حارة فتسخن قبل أن تبلغ إلينا . و أمّا برودة ريح الشّمال فلأنّها تأتي من بلاد الشّمس عنها غائبة فهي تبرد من قبل أن تبلغ إلينا ، وتمر أيضا بثلوج كثيرة . و أمّا كثرة ريح الجنوب فلتحلَّل البخارات من ناحية الجنوب . والبخار مادّة الريح . و أمّا كثرة ريح الشّمال في الصّيف ، وقلَّة ريح الجنوب ، فلأنّ الشّمس يكون مرورها في الصّيف بناحية الشّمال ، فتذيب الثّلوج الكثيرة ، وتهيج البخارات من ناحية الشّمال . و أمّا احتباس الرّيح وقلتها فلعلَّتين . إحداهما : كثرة البرودة فإنّ البرودة تجفف الأرض وتصلبها فلا يخرج منها بخار . والثّانية : كثرة الحر ، فإنّ الحر يجفف الأرض وييبسها ويحرقها فينقطع لذلك الريح ، وربما تتابع ذلك سنين فيكون القحط منه فإذا كثر ذلك وصلب وجه الأرض اجتمعت البخارات في جوف الأرض ، فلم تقدر على الخروج وأحدثت الزّلازل . فإذا كثرت تلك البخارات وقويت وظهرت ذهب القحط وعاد الخصيب . و أمّا كثرة ريح الشّمال في الرّبيع : فلأنّ النّهار يمتد بعد القصر وتدنو الشّمس من النّاحية الشّمالية فتذيب الثّلوج هناك ، فتحدث هذه البخارات التي منها يكون الغيوم والرّياح الشّمالية . و أمّا كثرة هبوبها آخر الصّيف فلأنّ النّهار يقصر ويبرد الهواء فيحتقن البخارات في جوف الأرض . فإذا كثرت قويت فظهرت رياح الشّمال ، وإنما تقوى البخارات على الظَّهور لأنّ البرد