من دوابهم فكشفوا الكساءفإذا الأسود الحمال، فقال لهم: هذا موسى بن عبد اللّه، و هذا ابنه عبد اللّه، و هذا مولاه، و هذا لا أعرفه.
فو اللّه لكأنه صحبهم من الشام. و أخذوهم حتى صاروا بهم إلى محمد بن سليمان فقال لهم: لا قرّب اللّه قرابتكم، و لا حيّى وجوهكم، تركتم كل بلد في الأرض إلاّ بلدا أنا فيه. فإن وصلت أرحامكم عصيت أمير المؤمنين، و إن أطعت أمير المؤمنين قطعت أرحامكم، و هو و اللّه أولى بكم مني.
قال: فحملهم إلى المنصور، فضرب موسى بن عبد اللّه خمسمائة سوط فصبر، فقال المنصور لعيسى بن علي: عذرت أهل الباطل في صبرهم-يعني الشطار-ما بال هذا الغلام المنعّم الذي لم تره الشمس.
فقال موسى: يا أمير المؤمنين، إذا صبر أهل الباطل على باطلهم، فأهل الحق أولى.
فلما فرغوا من ضربه أخرجوه، فقال له الربيع: يا فتى، قد كان بلغني أنك من نجباء أهلك، و قد رأيت خلاف ما بلغني.
فقال له موسى: و ما ذاك؟.
قال: رأيتك بين يدي عدوك تحب أن تبلغ في مكروهك و تزيد في مساءتك. و أنت تماحكه في جلدك، كأنك تصبر على جلد غيرك.
فقال موسى:
إني من القوم الذين تزيدهم # قسوا و صبرا شدة الحدثان [1]
و قد قيل: إن موسى لم يزل محبوسا حتى أطلقه المهدي، و قيل إنه توارى بعد ذلك حتى مات.
و كان موسى يقول شيئا من الشعر، فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال [2] :
[1] في زهر الآداب 1/129 «جلدا و صبرا قسوة السلطان» .