نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 11 صفحه : 298
دخل عليّ الغلام فقال: حاجي بالباب يستأذن؟
فقلت له: ائذن له، فدخل الخراساني فسلّم، و قال: أ لست أبا حسان؟ قلت:
بلى، فما حاجتك؟ قال: أنا رجل غريب أريد الحج، و معي عشرة آلاف درهم، و احتجت أن تكون قبلك حتى أقضي حجي و أرجع، فقلت هاتها، فأحضرها و خرج بعد أن وزنها و ختمها، فلما خرج فككت الخاتم [1] على المكان، ثم أحضرت المعاملين فقضيت كل دين كان عليّ، و اتسعت و أنفقت، و قلت: أضمن هذا المال للخراساني، 124/ ب و إلى أن يجيء يكون قد أتى اللَّه بفرج من عنده، فكنت يومي ذلك في/ سعة و أنا لا أشك في خروج الخراساني، فلما أصبحت من غد ذلك اليوم دخل عليّ الغلام فقال:
الخراساني الحاج بالباب يستأذن فقلت: ائذن له، فدخل فقال: إني كنت عازما على ما أعلمتك، ثم ورد عليّ الخبر بوفاة والدي، و قد عزمت على الرجوع إلى بلدي، فتأمر لي بالمال الّذي أعطيتك أمس.
قال: فورد عليّ أمر لم يرد عليّ مثله قط [2]، و تحيرت فلم أدر ما أقول له، و لا [3] بما أجيبه، و فكرت فقلت: ما ذا أقول للرجل؟ ثم قلت: نعم، عافاك اللَّه [تعالى]، منزلي هذا ليس بحريز، و لما أخذت مالك وجهت به إلى من هو قبله، فتعود في غد لتأخذه، فانصرف و بقيت [4] متحيرا ما أعمل؟ إن جحدته قدمني فاستحلفني، و كانت الفضيحة في الدنيا و الآخرة، و إن دافعته صاح و هتكني و غلظ الأمر عليّ جدا، و أدركني الليل و فكرت في بكور الخراساني إليّ، فلم يأخذني النوم و لا قدرت على الغمض، فقمت إلى الغلام فقلت له: أسرج البغلة، فقال: يا مولاي، هذه العتمة بعد [5]، و ما مضى من الليل شيء، فإلى أين تمضي؟
فرجعت إلى فراشي، فإذا النوم ممتنع، فلم أزل أقوم إلى الغلام و هو يردّني حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، و أنا لا يأخذني القرار، و طلع الفجر، فأسرج البغلة و ركبت، و أنا لا أدري أين أتوجه، و طرحت عنان البغلة، و أقبلت أفكر و هي تسير بي [6] حتى بلغت الجسر فعدلت بي فتركتها فعبرت، ثم قلت: إلى أين أعبر، و إلى أين أمضي؟