نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 11 صفحه : 152
غائبة على عدة فراسخ، فمضيت في أثرها، فأدركتها بين قريتين تمشي مشية [قوية] [1] و إذا هي امرأة نصف جيدة القامة، حسنة البنية، ظاهرة [2] الدم، متوردة الخدين، فسايرتني و أنا راكب، و عرضت عليها الركوب فلم تركب، و حضر مجلسي أقوام، فسألتهم عنها، فأحسنوا [3] القول فيها و قالوا: أمرها عندنا ظاهر [4]، فليس فينا من يختلف فيها، و ذكر لي بعضهم أنهم لم يعثروا [5] منها [6] على كذب و لا حيلة في التلبيس، و أنه قد كان من يلي خوارزم من العمال [7] يحضرونها و يوكلون بها من يراعيها، فلا يرونها تأكل شيئا و لا [8] تشرب، و لا يجدون لها أثر غائط و لا بول، فيبرونها و يكسونها، فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها، سألتها عن اسمها، فقالت: رحمة بنت إبراهيم، و ذكرت أنه كان لها زوج نجار فقير يأتيه رزقه يوما بيوم، و أنها ولدت منه عدة أولاد، و أن ملك الترك عبر على النهر [إليهم] [9] و قتل من المسلمين خلقا كثيرا، 68/ أ قالت: و وضع زوجي بين يدي قتيلا، فأدركني الجزع، و جاء/ الجيران يسعدونني [10] على البكاء، و جاء الأطفال يطلبون الخبز و ليس عندي شيء [11]، فصليت و تضرعت إلى اللَّه تعالى [أسأله الصبر، و] [12] أن يجبر بهم، فذهب بي النوم في سجودي، فرأيت في منامي كأني في أرض خشناء ذات حجارة و شوك، و أنا أهيم فيها و ألزم خبري أطلب [13] زوجي، فناداني رجل [14]: إلى أين أيتها الحرة؟ قلت: أطلب زوجي، قال: خذي [15] ذات اليمين، فأخذت ذات اليمين، فوقفت على أرض [16] سهلة طيبة الثرى، ظاهرة العشب، فإذا قصور و أبنية لا أحسن أصفها، و إذا أنهار تجري على وجه الأرض من غير أخاديد، و انتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا، عليهم ثياب خضر، قد علاهم النور، فإذا هم القوم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخللهم و أتصفح وجوههم أبغي زوجي، لكنه بصرني فناداني: يا رحمة يا رحمة، فتحققت