وأمّا مورد الشبهة : فليس هاهنا أيّة هلكة ; لا اُخروية بمعنى العقاب لقيام الأدلّة على جواز الارتكاب ، ولا دنيوية ; إذ لا يكون في غالب مواردها هلكة دنيوية .
ومنها : ما دلّ على حرمة القول بغير علم ، كقوله تعالى : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)[ 1 ] ، وقوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)[ 2 ] .
وجه الدلالة : أنّ الحكم بجواز الارتكاب تقوّل بلا علم وافتراء عليه تعالى .
قال الشيخ الأعظم : ولا يرد ذلك على أهل الاحتياط ; لأ نّهم لا يحكمون بالحرمة ، بل يتركون لاحتمالها . وهذا بخلاف الارتكاب ; فإنّه لا يكون إلاّ بعد الحكم بالرخصة والعمل على الإباحة .
والظاهر منه : ارتضاؤه بهذا الفرق ; ولهذا أجاب عن الإشكال بأنّ فعل الشيء المشتبه حكمه ـ اتّكالاً على قبح العقاب بلا بيان ـ ليس من ذلك[ 3 ] .
وأنت خبير : بأنّ النزاع بين الأخباري والاُصولي في وجوب الاحتياط وعدمه لا في الترك وعدمه ; فالأخباري يدّعي وجوب الاحتياط ويحكم به ، والاُصـولي ينكر وجوبـه ويقول بالبراءة والإباحـة . فكلّ واحـد يـدّعي أمـراً ويقيم عليه أدلّة .
والجواب عن أصل الاستدلال : أنّه سيوافيك في مباحث الاستصحاب أنّ المراد من العلم واليقين في الكتاب والسنّة ـ إلاّ ما شذّ ـ هو الحجّة لا العلم
[1] النور (24) : 15 . [2] الأعراف (7) : 29 . [3] فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 62 ـ 63 .