منها : ما أفاده في امتناع الأوّل من أنّ الإباحة الواقعية ناشئة من لا اقتضاء الموضوع ، فلا يعقل ورود النهي على نفس الموضوع ، ففيه : أنّ اللا اقتضاء والاقتضاء لو كانا راجعين إلى نفس الموضوع لكان لما ذكره وجه ، إلاّ أنّ الأحكام الشرعية وإن كانت مجعولة عن مصالح ومفاسد لكن لا يلزم أن يكون تلك المصالح أو المفاسد في نفس الموضوعات حتّى يكون الاقتضاء واللااقتضاء راجعاً إليه ، بل الجهات الخارجية مؤثّرة في جعل الأحكام بلا ريب .
وأوضح شاهد على ذلك هو نجاسة الكفّار والمشركين ; فإنّ جعل النجاسة عليهم ليس لأجل وجود قذارة أو كثافة في أبدانهم ـ كما في سائر الأعيان النجسة ـ بل الملاك لهذا الجعل الجهات السياسية ; فإنّ نظر المشرّع تحفّظ المسلمين عن مخالطة الكفّار والمعاشرة معهم ; حتّى تصون بذلك أخلاقهم وآدابهم ونواميسهم ، فلأجل هذه الأمنية حكم على نجاستهم .
فحينئذ : فمن الممكن أن يكون الموضوع مقتضياً للحرمة لكن الموانع منعت عن جعلها ، أو المصالح السياسية اقتضت جعل الإباحة الواقعية . فلو كان الشارع حاكماً بحلّية الخمر في دور الضعف ـ وإن كان تراها ذات مفسدة مقتضية للتحريم وجعل الحرمة ـ لكان أشبه شيء بالمقام .
ومنها : أنّه يمكن جعل ورود النهي تحديداً للموضوع بكلا الوجهين ; من المعرّفية والشرطية بلا محذور :
أمّا الأوّل : فلأنّ ما هو كالبديهي إنّما هو الإباحة بمعنى اللاحرجي قبال الحظر ، وأمّا الإباحة الواقعية المجعولة الشرعية فليس كذلك ; لأ نّها لا تحصل إلاّ بجعل الجاعل ، بخلاف اللاحرجية .