وهما ممّا تنالهما يد الجعل باعتبار منشأ انتزاعهما ، ولا يحتاج في رفعهما إلى أثر آخر ; حتّى يقال : إنّ الإجزاء وصحّة العبادة من الآثار العقلية ، كما لا يخفى .
ومنه يظهر النظر في ثالث الوجوه التي ذكرها(قدس سره) ، فراجع .
فإن قلت : إنّما يصحّ عبادة الناسي ، ويكون المركّب الفاقد تمام المأمور به في حقّه فيما إذا أمكن تخصيص الناسي بالخطاب ، وأمّا مع عدم إمكانه ـ لأجل كون الخطاب بقيد أنّه ناس يوجب انقلاب الموضوع إلى الذاكر ـ فلا يمكن تصحيح عبادته .
قلت : قد ذكر المشايخ ـ قدّس الله أسرارهم ـ وجوهاً صحّحوا بها تخصيص الناسي بالخطاب[ 1 ] ; وإن كان كلّها غير خال عن التكلّف ، إلاّ أنّ التصحيح لا يتوقّف على تخصيصه بالتكليف .
بل الأمر المتعلّق بالصلاة في الكتاب والسنّة كاف في التصحيح ; فإنّ الذاكر والناسي إنّما يقصد بقيامه وقعوده امتثال تلك الخطابات المتعلّقة بالطبيعة التي منها قوله تعالى : (أَقِمِ الصلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَيْلِ)[ 2 ] ، والداعي إلى العمل والباعث نحو الفعل في الذاكر والناسي أمر واحد بلا اختلاف في هذه الجهة ، وإنّما الاختلاف في مصداق الطبيعة ، وهو لا يوجب اختلافاً في الأمر .
وبالجملة : أنّ الفرد الكامل والفرد الناقص كلاهما فردان من الطبيعة المأمور بها ، غير أنّه يلزم على الذاكر إيجادها في ضمن ذلك الفرد الكامل ، وعلى الناسي إيجادها في ضمن ذلك الناقص ; لرفع جزئية الجزء في حقّ الناسي لأجل حكومة