لا يقال : ما معنى الحكم المشترك فيه الناس ؟ وما معنى كون كلّ واحد منّا مكلّفاً بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ؟ وظاهر هذا تعدّد الخطاب وكثرة التكليف ، فلا يعقل كثرة التكاليف مع وحدة الخطاب .
وإن شئت قلت : إنّ الخطابات الشرعية منحلّة بعدد نفوس المكلّفين ، ولا يكاد يخفى : أنّ الخطاب المنحلّ المتوجّه إلى غير المتمكّن أو غير المبتلى مستهجن .
لأ نّا نقول : إن اُريد من الانحلال كون كلّ خطاب خطابات بعدد المكلّفين ; حتّى يكون كلّ مكلّف مخصوصاً بخطاب خاصّ به وتكليف مستقلّ متوجّه إليه فهو ضروري البطلان ; فإنّ قوله تعالى : (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[ 1 ] خطاب واحد لعموم المؤمنين ، فالخطاب واحد والمخاطب كثير . كما أنّ الإخبار بأنّ «كلّ نار حارّة» إخبار واحد والمخبر عنه كثير . فلو قال أحد : «كلّ نار بارد» فلم يكذب إلاّ كذباً واحداً ، لا أكاذيب متعدّدة حسب أفراد النار .
فلو قال : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)[ 2 ] فهو خطاب واحد متوجّه إلى كلّ مكلّف ، ويكون الزنا تمام الموضوع للحرمة ، والمكلّف تمام الموضوع لتوجّه الخطاب إليه . وهذا الخطاب الوحداني يكون حجّة على كلّ مكلّف ، من غير إنشاء تكاليف مستقلّة أو توجّه خطابات عديدة .
لست أقول : إنّ المنشأ تكليف واحد لمجموع المكلّفين ; فإنّه ضروري الفساد ، بل أقول : إنّ الخطاب واحد والإنشاء واحد ، والمنشأ هو حرمة الزنا على