ثمّ إنّه(قدس سره) بعدما استوجه وجود الجامع استشكل في التمسّك بالإطلاق : تارة بوجود القدر المتيقّن ; حيث إنّ القدر المتيقّن ـ حسب سياق الآيات ـ هو المال ، واُخرى بأنّ المستفاد منها عدم الكلفة من قبل التكاليف المجهولة غير الواصلة إلى المكلّف ، لا نفي الكلفة مطلقاً ; ولو من قِبل إيجاب الاحتياط ، فيكون مفادها مساوقاً لحكم العقل ، فلو ثبت ما يدّعيه الأخباري لصار وارداً عليه[ 1 ] ، انتهى .
وأنت خبير بما فيه ; إذ وجود القدر المتيقّن غير مضرّ في التمسّك بالإطلاق ، كما أوضحناه في مبحث المطلق والمقيّد[ 2 ] .
كما أنّ جعل الاحتياط لأجل التحفّظ على التكاليف الواقعية لا يناسب مع سوق الآية ; لأنّ مساقها مساق المنّة والامتنان ، والإخبار عن لطفه وعنايته ; بأنّه لا يجعل العباد في الكلفة والمشقّة من جهة التكليف إلاّ مع إيصالها .
ومن المعلوم : أنّ جعل الاحتياط تضييق على المكلّف بلا إيصال ; لأنّ المرمي من الاحتياط هو التحفّظ على الواقع ، لا كونه طريقاً موصلاً إلى الواقع ، فإيجاب التحفّظ في الشبهات البدوية كلفة بلا إيصال ولا إعلام .
ثمّ إنّه(قدس سره) استشكل ثالثاً فـي التمسّك بالإطلاق ما حاصلـه : إنّ مساقها مساق قوله(عليه السلام) : «إنّ الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً»[ 3 ] فيكون دلالتها ممحّضة في نفي الكلفة عمّا لم يوصل علمه إلى العباد ; لمكان سكوته وعـدم
[1] نهاية الأفكار 3 : 203 ـ 204 . [2] تقدّم في الجزء الثاني : 273 . [3] الفقيه 4 : 53 / 193 ، وسائل الشيعة 27 : 175، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 68 .