وإن شئت نزّلت المقام بما لو علم العبد بالتكليف الفعلي وشكّ في قدرته ، وقد تقدّم أنّه ليس معذوراً في ذلك ، بل لابدّ من العلم بالعذر ، وليس له الاكتفاء بالشكّ مع العلم بالتكليف الفعلي .
ومثله المقام ; فإنّ العلم الإجمالي قد تعلّق بالتكليف الفعلي ، والمكلّف شاكّ في كونه مضطرّاً إلى الإتيان بمتعلّق التكليف ، فيكون من قبيل الشكّ في القدرة ، فيجب له الاحتياط ، من غير فرق في ذلك بين العلم التفصيلي والإجمالي .
ولكن الإنصاف : وضوح الفرق بين المقامين ; فإنّ التكليف هناك قطعي والشكّ في وجود العذر ، وأمّا المقام فالتكليف وإن كان محقّقاً إلاّ أنّ العذر مقطوع الوجود .
توضيحه : أنّ المكلّف بعدما وقف على التكليف الفعلي ـ أي غير المقيّد بالقدرة ـ يجب له الاحتياط وترك المساهلة حتّى يجيب أمر المولى بامتثال قطعي أو عذر كذلك . فلو أجاب أمر المولى بالشكّ في القدرة فقد أجابه بما يشكّ كونه عذراً عند العقل والعقلاء . وهذا بخلاف المقام ; فإنّ العذر ـ وهو الاضطرار ـ حاصل في المقام قطعاً .
وما أسمعناك من أنّ الاضطرار عذر في الطرف المضطرّ إليه دون الطرف الآخر ، وأنّ مرجع ذلك إلى الشكّ في العذرية ; لأنّ التكليف لو كان في الطرف المضطرّ إليه فهو عذر قطعاً ، ولو كان في الطرف الآخر فهو غير معذور قطعاً . فالشكّ في أنّ الحرام في أيّ الطرفين يلازم الشكّ في وجود العذر في ذلك الطرف .
مدفوع بما عرفت في صدر المسألة من أنّ الميزان في تنجيز العلم الإجمالي أن يتعلّق العلم بشيء لو تعلّق به العلم التفصيلي لتنجّز عليه التكليف ، فلو تعلّق العلم الإجمالي على أمر مردّد بين الإنشائي والفعلي فلا يكون منجّزاً .