ولو لم نقل : إنّ ذلك مفاد الآية حسب المنطوق فلا أقلّ يفهم العرف من الآية ـ ولو بإلغاء الخصوصية ومناسبة الحكم والموضوع ـ أنّ التعذيب قبل البيان لم يقع ولن يقع أبداً .
منها : أنّ الاستدلال بها لما نحن فيه متقوّم بكونها في مقام نفي الاستحقاق لا نفي الفعلية ; لأنّ النزاع في البراءة إنّما هو في استحقاق العقاب على ارتكاب المشتبه وعدمه ، لا في فعلية العقاب[ 1 ] .
وفيه : أنّ ذلك أوّل الكلام ; إذ النزاع بين الاُصولي والأخباري إنّما هو في ثبوت المؤمّن وعدمه في ارتكاب الشبهات ، وأنّه هل يلزم الاحتياط أو لا ؟ وهذا هو مصبّ النزاع بين الطائفتين ، وأمّا البحث عن الاستحقاق وعدمه فهو خارج عمّا يهمّ على كلا الفريقين .
وبالجملة : أنّ المرمي للقائل بالبراءة هو تجويز شرب التتن المشتبه الحكم لأجل وجود مؤمّن شرعي أو عقلي حتّى يطمئنّ أنّه ليس في ارتكابه محذور ; سواء كان ذلك لأجل رفع العقوبة الفعلية أو نفي الاستحقاق .
والشاهد على ما ذكرنا : أنّك ترى القوم يستدلّون على البراءة بحديث الرفع الظاهر عندهم في رفع المؤاخذة ، لا نفي الاستحقاق .
وبما ذكرنا يظهر : أنّ الآية أسدّ الأدلّة التي استدلّ بها للبراءة ، وأنّ ما اُورد عليه من الإيرادات غير خال عن الضعف .
نعم ، لا يستفاد من الآية أكثر ممّا يستفاد من حكم العقل الحاكم على قبح العقاب بلا بيان ; فلو دلّ الدليل على لزوم الاحتياط أو التوقّف لصار ذلك نفسه بياناً ، فيكون ذاك الدليل وارداً على العقل وما تضمّنته الآية .