وبذلك ـ أي تعرّض الحاكم لما لم يتعرّض به المحكوم ممّا يرجع إلى حيثية من حيثياته ـ يعلم : أنّ الحكومة قائمة بلسان الدليل الحاكم وكيفية تأديته ، فلا يتصوّر بين اللبّية الصرفة كالإجماع أو الأدلّة العقلية ، نعم يتصوّر بينهما الورود أو التخصيص وغيرهما .
إذا عرفت ذلك : المشهور أنّ الأمارات حاكمة على الاُصول العملية ، والظاهر أنّ في هذا التعبير مسامحة ; فإنّ الحكومة إنّما هو بين أدلّة الأمارات وأدلّة الاُصول لا بينهما ، كما لا يخفى .
على أنّ أدلّة الأمارات ليست على نسق واحد حتّى يصير الترجيح على أدلّة الاُصول بمثابة واحدة بل تختلف ، وباختلافها يختلف وجه الترجيح .
فإنّ من الأمارات قول الثقة ; فإن كان المدرك لحجّية قوله آية النبأ[ 1 ] ، فالترجيح إنّما هو بالحكومة ; فإنّ لسانها أنّ خبر العدل متبيّن ، وليس العمل على قوله عملاً بجهالة ، فيقدّم على الاُصول ; لكون موضوعاتها الجهالة وعدم العلم أو الشكّ .
وإن كان حجّيتها لأجل بعض الأخبار الواردة فيها فلا يبعد أن يكون التقديم أيضاً على نحو الحكومة ، مثل قوله(عليه السلام) : «ما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان»[ 2 ] .
وإن كان المستند هو بناء العقلاء على العمل به في اُمورهم : فلا شكّ أنّ التقديم ليس لأجل الحكومة ; لتقوّمها بلسان الدليل ودلالته اللفظية ، ولا لسان للدليل اللبّي . فلابدّ أن يكون التقديم بنحو الورود أو غيره .
[1] الحجرات (49) : 6 . [2] الكافي 1 : 329 / 1 ، وسائل الشيعة 27 : 138 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 4 .