نتيجة ذلك تسلّط الخلفاء على الشيعة وردعهم وقطع اُصولهم عن أديم الأرض ، وعدم وصول شيء من الأحكام الشرعية موجودة بأيدينا .
فدار الأمـر بين العمل بالأخبار الواردة عنهم(عليهم السلام) بطريق الثقات الموصلـة إلى الواقـع غالباً ـ وإن خالفت أحياناً ـ وبين إيجاب العلم حتّى يصل بعض الشيعـة إلى الواقع ، ويحـرم آلاف مـن الناس عـن الأحكام والفروع العمليـة ; لما عرفت أنّ الإلـزام على تحصيل العلم كـان مستلزماً للتجمّع على باب الأئمّـة ، وكان نتيجـة ذلك صدور الحكم مـن الخلفاء بأخـذهم وشـدّهم وضربهم وقتلهم واضطهادهم تحت كلّ حجر ومدر .
وأمّا الاحتياط في هذه الأزمان أو زمن الحضور لمن لم يمكن له الوصول إليهم(عليهم السلام)ففساده أظهر من أن يخفى ; فإنّه مستلزم للحرج الشديد واختلال النظام ورغبة الناس عن الدين الحنيف ، بل موجب للخروج من الدين ; فإنّ الحكيم الشارع لابدّ له ملاحظة طاقة الناس واستعدادهم في تحمّل الأحكام والعمل بها .
ومثله التبعيض في الاحتياط ; فإنّه لو لم يوجب حرجاً شديداً لكنّه موجب رغبة جمهرة الناس عن الدين .
وبالجملة : البناء على الاحتياط المطلق أو بمقدار ميسور في جميع التكاليف ; من العبادات والمعاملات والمناكحات وغيرها يستلزم الحرج الشديد في بعض الأحوال ، ورغبة الناس عن الدين وقلّة العاملين من العباد للأحكام في بعض آخر . فلأجل هـذا كلّه أمضى عمل العقلاء وبنائهم في العمل بالظنون وأخبار الآحاد بمقدار يؤسّس لهم نظاماً صحيحاً ، وهذا وإن استلزم فساداً وتفويتاً غير أ نّـه في مقابل إعراض الناس عنه وخروجهم منه وقلّة المتديّنين بـه لا يعدّ إلاّ شيئاً طفيفاً يستهان به .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم(قدس سره) التزم بقبح التعبّد بالظنون في حال الانفتاح ، وأمّا حال الانسداد فقد ذهب إلى أنّ التفويت متدارك بالمصلحة السلوكية[ 1 ] .
وأوضحه بعض أعاظم العصر بما حاصله : أنّ قيام الأمارة يمكن أن يكون سبباً لحدوث مصلحة في السلوك مع بقاء الواقع والمؤدّى على ما هما عليه من
[1] فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24 : 109 و 112 .