القطع موجب لتنجّز الحكم وقطع العذر ; لأ نّه كاشف في نظر القاطع بلا احتمال الخلاف ، وهذا كاف في حكم العقل والعقلاء بالتنجّز وصحّة الاحتجاج ، وهذا ـ أعني انقطاع العذر وصحّة الاحتجاج ـ من آثار القطع نفسه ، يترتّب عليه بلاجعل جاعل .
وأمّا ما يقال : إنّ الطريقية والكاشفية من ذاتيات القطع لا بجعل جاعل ; إذ لا يتوسّط الجعل التأليفي الحقيقي بين الشيء وذاتياته ، كما أ نّه يمتنع المنع عن العمل به ; لاستلزامه اجتماع الضدّين اعتقاداً مطلقاً ، وحقيقةً في صورة الإصابة[ 1 ] .
ففيه : أنّ الذاتي في باب البرهان أو الإيساغوجي ما لا ينفكّ عن ملزومه ولا يفترق عنه ، والقطع قد يصيب وقد لا يصيب ، ومعه كيف يمكن عدّ الكاشفية والطريقية من ذاتياته ؟ والقول بأنّه في نظر القاطع كذلك لا يثبت كونها من لوازمه الذاتية ; لأنّ الذاتي لا يختلف في نظر دون نظر .
وأمّا احتجاج العقلاء فليس لأجل كونه كاشفاً على الإطلاق ، بل لأجل أنّ القاطع لا يحتمل خلاف ما قطع به . وقس عليه الحجّية ; فإنّ صحّة الاحتجاج من الأحكام العقلائية لا من الواقعيات الثابتة للشيء جزءً أو خارجاً .
فتلخّص : أنّ الطريقية والكاشفية ليست عين القطع ولا من لوازمه ، وأمّا الحجّيـة فلا تقصر عنهما في خروجها عن حريم الذاتيـة ، غير أنّ الحجّيـة تفترق عن الطريقية بأنّها من الأحكام العقلية الثابتة له عند العقلاء ، ولأجل ذلك تستغني عن الجعل .
وأمّا ما ذكر من قيام البرهان على امتناع الجعل التأليفي . . . إلى آخره[ 2 ]