وجب في الاُخرى ، كما إذا اتّصلت القضايا وكانت في كلام واحد[ 1 ] .
ولعلّ منشأ فهم العرف وعلّة استيناسه هو ملاحظة العلل الخارجية ; إذ العلل الخارجية بمرآى ومسمع منه ; حيث يرى أنّ كلّ علّة إنّما يؤثّر في غير ما أثّر فيه الآخر ، وهذه المشاهدات الخارجية ربّما تورث له ارتكازاً وفطرة ، فإذا خوطب بخطابين ظاهرهما كون الموضوع فيه من قبيل العلل والأسباب فلا محالة ينتقل منه إلى أنّ كلّ واحد يقتضي مسبّباً غير ما يقتضيه الآخر ; قياساً لها بالتكوين ، بل العرف غير فارق بينهما إلاّ بعد التنبيه والتذكار .
فإذا قيل للعرف الساذج : بأنّ وقوع الفأرة في البئر يوجب نزح عدّة دلاء معيّنة ، وكذا الهرّة ينتقل بفطرته إلى أنّ لوقوع الفأرة ـ مثلا ـ في البئر تناسباً لنزح سبع دلاء ، ولوقوع الهرّة فيها مناسبة كذلك ، وأنّ الأمر إنّما تعلّق به لأجل التناسب بينهما ، وإلاّ كان جزافاً ، وإلى أنّ لوقوع كلّ منهما اقتضاءً خاصّاً بها ، وارتباطاً مستقلاًّ لا يكون في الاُخرى ، وهو يوجب تعدّد وجوب نزح المقدار أو استحبابه ، وهذا يوجب تحكيم ظهور الشرطية على إطلاق الجزاء .
وأ مّا ما أبطلناه من مقايسة التشريع بالتكوين فإنّما هو ببرهان عقلي لا يقف عليه العرف الساذج ، ولكن هذا الارتكاز وإن كان غير صحيح إلاّ أ نّه ربّما يصير منشأً للظهور العرفي ، ويوجب تحكيم ظهور الشرط على ظهور الجزاء ، فلابدّ من اتّباعه ، فإنّه المحكّم في تلكم المواضع .