ماهـو المشهور في ردّه[ 1 ] ; غفلةً عن حقيقة الحال .
ولمّا كان ذلك منشأ للخلط والاشتباه في مواضع كثيرة فلا بأس بالإشارة إلى ماهو المحقّق في محلّه :
فنقول : إنّ الطبيعي من الشيء هو حدّ الشيء وذاتية ومقوّمه ; بحيث يوضع بوضعه ويرتفع برفعه ، وهو حدّ الشيء بما هو حدّه ، لا معدوم ولا موجود ولا واحد ولا كثير ، بل هو في مرتبة فوق هذه الأوصاف والعوارض .
نعم ، قد يقع في مرتبة دونها مجالياً لهذه الأوصاف ، فيصير موجوداً وكثيراً ، لكن كلّ ذلك في مرتبة متأخّرة عن رتبة الطبيعي وذاته .
وبعبارة اُخرى : إنّ مأخذ الطبيعي والماهية المؤلّفة من الجنس والفصل هو الموجودات الخارجية بما أ نّها واقعة في صراط التكامل ومدارج الكمال ، والموجود إذا وقع في بعض المدارج يدرك منه مفهوم عامّ ، كالجسم يندرج تحته عدّة من الأشياء المشتركة مع هذا الموجود في هذا المفهوم ، ثمّ يدرك منه مفهوم آخر يميّز ذلك الموجود عن بقية الأشياء ، وهذان المفهومان بما هما أمران مفصّلان حدّ تفصيلي لذلك الموجود ، ويعبّر عنهما بالجنس والفصل ، والمفهوم البسيط الإجمالي المنتزع من هذين يسمّى نوعاً .
ثمّ إذا أدركه الكمال الآخر ودخل في مرتبة اُخرى وصار جسماً نامياً يدرك له جنس وفصل آخر ، فكلّما زاد الشيء في تكامله ومدارجه ينتزع في كلّ مرتبة مفهوم من ذاته ، مغاير مع ما كان ينتزع قبل الوصول إليها .
[1] راجع رسالة بعض الأفاضل إلى علماء مدينة السلام ، ضمن رسائل ابن سينا : 463 ، الحكمة المتعالية 1 : 273 و 2 : 7 ـ 8 .