من له أدنى إلمام بالعلوم العقلية ; إذ هي تختصّ بالبسيط الحقيقي ، ولا تجري في مثل العلوم التي هي قضايا كثيرة ، يترتّب على كلّ قضية فائدةٌ غير ما يترتّب على الاُخرى ، وإن كان بين الفائدتين وحدة وربط بالسنخ .
مع أنّ حديث تأثير الجامع إذا اجتمعت المؤثّرات على أثر واحد قول فاسد ، لاينطبق إلاّ على قول الرجل الهمداني[ 1 ] .
وإن شئت قلت : إنّ السبر والتتبّع في العلوم ناهض على خلاف ما التزموه ; إذ العلوم ـ كما سمعت ـ لم تكن إلاّ قضايا قليلة قد تكمّلت بمرور الزمان ، فلم يكن الموضوع عند المؤسّس المدوّن مشخّصاً حتّى يجعل البحث عن أحواله .
وما تقدّم من علم الجغرافيا أصدق شاهد ; إذ العلم بأوضاع الأرض ; من جبالها ومياهها وبحارها وبلدانها لم يتيسّر إلاّ بمجاهدة الرجال قد قام كلٌّ على تأليف كتاب في أوضاع مملكته الخاصّة به ، حتّى تمّ العلم . ولم يكن الهدف في هذا البحث لدى هؤلاء الرجال العلم بأوضاع الأرض حتّى يكون البحث عن أحوال مملكته بحثاً عن عوارضها .
ونظيره علم الفقه ; فلم تكن الفقيه الباحث لدى تأسيسه ناظراً ولاحظاً فعل المكلّف حتّى يجعله موضوعاً لما يحمله عليه وما يسلبه عنه .
مع أنّ ما تخيّلوه موضوعاً للعلم لاينطبق على أكثر مسائل باب الضمان والإرث والمطهّرات والنجاسات وسائر الأحكام الوضعية ممّا هي من الفقه بالضرورة . كما أنّ ما تصوّروه موضوعاً للفنّ الأعلى لايطّرد ; لاستلزامه خروج
[1] راجـع رسالـة بعض الأفاضـل إلى علمـاء مدينـة السلام ، ضمن الـرسائل : 463 ، الحكمـة المتعالية 1 : 273 ـ 274 .