الاجتهاد ، فإذا
استثني القياس كنّا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس
أحدها القياس » [٢].
ويلاحظ على هذا
النصّ بوضوحٍ : أنّ كلمة « الاجتهاد » كانت لا تزال في الذهنيّة الإماميّة مثقلةً
بتَبِعة المصطلح الأوّل ، ولهذا يلمح النصّ إلى أنّ هناك من يتحرَّج من هذا الوصف
ويثقل عليه أن يسمّي فقهاء الإماميّة مجتهدين.
ولكنّ المحقّق
الحلّي لم يتحرّج عن اسم الاجتهاد بعد أن طوّره ، أو تطور في عرف الفقهاء تطويراً
يتّفق مع مناهج الاستنباط في الفقه الإمامي ، إذ بينما كان الاجتهاد مصدراً للفقيه
يصدر عنه ، ودليلاً يستدلّ به كما يصدر عن آيةٍ أو رواية ، أصبح في المصطلح الجديد
يعبِّر عن الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعيّ من أدلّته ومصادره ،
فلم يعدْ مصدراً من مصادر الاستنباط ، بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره التي
يمارسها الفقيه.
والفرق بين
المعنيين جوهريّ للغاية ، إذ كان على الفقيه ـ على أساس المصطلح الأوّل للاجتهاد ـ
أن يستنبط من تفكيره الشخصيّ وذوقه الخاصّ في حالة عدم توفّر النصّ ، فإذا قيل له
: ما هو دليلك ومصدر حكمك هذا؟ استدلّ بالاجتهاد ، وقال : الدليل هو اجتهادي
وتفكيري الخاصّ. وأمّا المصطلح الجديد فهو لا يسمح للفقيه أن يبرِّر أيّ حكمٍ من
الأحكام بالاجتهاد ؛ لأنّ الاجتهاد بالمعنى الثاني ليس مصدراً للحكم ، بل هو عملية
استنباط الأحكام من مصادرها ، فإذا قال الفقيه : « هذا اجتهادي » كان معناه أنّ
هذا هو ما استنبطه من المصادر والأدلّة ، فمن حقِّنا أن نسأله ونطلب منه أن
يُدِلَّنا على تلك المصادر والأدلّة التي