الطوسيّ ـ الذي
توفِّي في أواسط القرن الخامس ـ يكتب في كتاب « العدّة » قائلاً : « أمّا القياس
والاجتهاد فعندنا أنّهما ليسا بدليلين ، بل محظور استعمالهما » [٦].
وفي أواخر القرن
السادس يستعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البيّنتين من كتابه « السرائر » عدداً من
المرجّحات لإحدى البيّنتين على الاخرى ، ثمّ يعقِّب ذلك قائلاً : « ولا ترجيح بغير
ذلك عند أصحابنا ، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا » [١].
وهكذا تدلّ هذه
النصوص بتعاقبها التأريخيّ المتتابع على أنّ كلمة « الاجتهاد » كانت تعبيراً عن
ذلك المبدأ الفقهيّ المتقدّم إلى أوائل القرن السابع ، وعلى هذا الأساس اكتسبت
الكلمة لوناً مقيتاً وطابعاً من الكراهية والاشمئزاز في الذهنية الفقهية الإمامية
؛ نتيجةً لمعارضة ذلك المبدأ ، والإيمان ببطلانه.
ولكنّ كلمة « الاجتهاد
» تطوّرت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا ، ولا يوجد لدينا الآن نصّ شيعيّ يعكس هذا
التطوّر أقدم تأريخاً من كتاب المعارج للمحقّق الحلّي المتوفّى سنة ( ٦٧٦ ه ) ،
إذ كتب المحقّق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول : « وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد
في استخراج الأحكام الشرعية ، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلّة الشرع
اجتهاداً ؛ لأنّها تبتني على اعتباراتٍ نظريةٍ ليست مستفادةً من ظواهر النصوص في
الأكثر ، سواء كان ذلك الدليل قياساً أو غيره ، فيكون القياس على هذا التقرير أحد
أقسام الاجتهاد.
فإن قيل : يلزم على
هذا أن يكون الإمامية من أهل الاجتهاد.
قلنا : الأمر كذلك
، لكن فيه إيهام من حيث إنّ القياس من جملة