وفيه : « الْمَدِينَةُ
كَالْكِيرِ يُنْفَى خَبَثُهَا ». أي تخرجه عنها ، من نَفَيْتُهُ نَفْياً : أخرجته وفيه : « حِجُّ الْبَيْتِ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ [١] ». أي مظنة لدفعه.
ولِلنَّفْيِ طرائق ذكرها في المصباح هي أنه إذا ورد النَّفْيُ على شيء موصوف بصفة فإنه يتسلط على تلك الصفة دون
متعلقها نحو « لا رجل قائم » فمعناه لا قيام من رجل ، ومفهومه وجود ذلك الرجل ،
ولا يتسلط النَّفْيُ على الذات الموصوفة ، لأن الذات لا تُنْفَى وإنما
يُنْفَى متعلقاتها.
قال : ومن هذا
الباب قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ
ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ) [ ٢٩ / ٤٢ ] فَالْمَنْفِيُ
إنما هو صفة محذوفة
لأنهم دعوا شيئا محسوسا هو الأصنام ، والتقدير من شيء ينفعهم أو يستحق العبادة
ونحو ذلك ، لكن لما
انْتَفَتِ الصفة التي هي
الثمرة المقصودة وقع النَّفْيُ
على الموصوف مجازا
كقوله تعالى : ( لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى )[ ٨٧ / ١٣ ] أي لا يحيا حياة طيبة ، ومنه قول أحد الناس
: « لا مال لي » أي لا مال كاف أو لا مال لي يحصل به الغنى ، وكذلك « لا زوجة لي »
أي حسنة ونحو ذلك. وهذه الطريقة هي الأكثر في كلامهم ، ولهم طريقة أخرى معروفة وهي
نَفْيُ الموصوف فَتَنْتَفِي
تلك الصفة بِانْتِفَائِهِ ، فقولهم : « لا رجل قائم » معناه لا رجل موجود فلا قيام
منه ، وخرج على هذه الطريقة قوله تعالى : ( فَما تَنْفَعُهُمْ
شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) [ ٧٤ / ٤٨ ] أي لا شافع فلا شفاعة منه ، وكذا ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها )[ ١٣ / ٢ ] أي لا عمد فلا رؤية ، وكذا ( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) [ ٢ / ٢٧٣ ] أي لا سؤال فلا إلحاف. قال : وإذا تقدم
النفي أول الكلام كان النفي للعموم نحو « ما قام القوم » فلو كان قد قام بعضهم فلا
كذب ، لأن نَفْيَ العموم لا يقتضي نفي
الخصوص ، ولأن