هكذا رأيت الواقع الذي يحيط بالمؤمن
المستبصر ، يجد نفسه وحيداً فريداً ، وحالة غريبة بين كل تلك الفئات المذكورة ، يتألّم
ممّا يراه حوله من دفن وطمس للحقيقة ، ومن إنكار وتشكيك فيها وفي أتباعها ، ويتألّم
لأولئك الذين يبحثون عنها دون جدوى وعلى غير هدى ، وهو لا يستطيع أنْ يجيب عن
اشكالاتهم وتساؤلاتهم ، مع أنّه يعرفها ويعرف الإجابة عليها ، خوفاً من ردود الفعل
اللامسؤولة ، والتي يندفع بها أغلب الناس في أغلب المناسبات.
التناقض
بين الشريعة والمألوف :
بعد كلّ ذلك ، فإنّ المستبصر يتعامل
وبشكل عام مع واقع نفسي تحكمه عادات وتقاليد ومألوفات تتناقض مع الشريعة المقدّسة
، ومع تعاليمها وأخلاقياتها ، من خلال مجتمع يسهل فيه تكفير المسلم للمسلم ، ويهون
فيه دم المؤمن وماله وعرضه ، ويكثر فيه الحسد والحسّاد ، والكبر والرياء ، وحبّ
الدنيا وشهواتها على حساب الآخرة ، مجتمع تطغى عليه العصبيّات والضغائن ، وحبّ
الشائعات والافتراءات ، وحبّ الفاحشة والرذيلة ، وطغيان المادة ، مجتمع ألف النفاق
والرذيلة ، وطُمست فيه الحقيقة والفضيلة ، وطغى فيه الحكم بالرأي النفسي والشهوي ،
وحسب المصلحة المادية والدنيوية الفانية ، مجتمع لم يبقَ فيه من الإسلام إلا اسمه
ومن القرآن إلا رسمه.
إنّ كلّ ما ذكرت ، وأكثر من ذلك يعيشه
المؤمن المستبصر مع ثلّة قليلة جدّاً من المؤمنين الثابتين على عهد الله تعالى ، والمستيقنين
بعزّ الله ونصره ، والمطمئنين بوفاء الله لوعده ، ولذلك وبالرغم من كلّ ما يواجهه
المؤمن المستبصر ، فإنّه دائماً يستشعر العزّة بالله تعالى والسكينة بذكر الله
وطاعته ، والقوّة بتمسّكه بالحقّ ، والإقرار الدائم والمستمر بولاية أهل البيت
وإمامتهم.