وهذا التفسير ـ بوجهيه ـ لا يمكن الأخذ
به بأيّة حال ، لأنّه يقتضي التشبيه والتجسيم الصريح غير المؤوّل ، وهذا مالا تقرّ
به طوائف المسلمين ، سوى الشاذّ منها.
وأمّا التنصّل من مشكلة التشبيه
والتجسيم بأن نقول : بأنّ الله تعالى يجلس جلوساً واقعياً على عرشه بلا كيف ، ولا
نقول : كيف حتّى يستلزم التشبيه والتجسيم ، وهو كلام خالٍ من أيّ معنى معقول.
التفسير الثاني : أنّ الاستواء بمعنى
الاستيلاء ، وهذا يلتزم به من يأبى التشبيه والتجسيم بالنسبة إلى الله تعالى ، ويستدلّون
بالبيت المعروف : ( قد استوى بشر على العراق ) أي استولى ، وهذا التفسير الثاني
فيه المجاز في كلمة الاستواء ، أي بمعنى الاستيلاء.
التفسير الثالث : أنّ الاستواء على
العرش كناية على التدبير ، والأخذ بزمام إدارة من له حقّ الإدارة ، والإشراف
والتدبير عليه ، وهذا هو المقصود بما يذكره المؤرّخون ، من تواريخ الجلوس على
العرش للملوك والأمراء ، بمعنى استوى عليه : بأن جعله تحت قدرته ، ومنع غيره من
الجلوس عليه إلاّ بإذنه ، كما نقول : استوى زيد على داره بعد ستة سنوات ، معناه : أنّ
داره كانت مغصوبة ، ثمّ عادت إليه ، بأن استولى عليها.
وهذا المعنى ليس المقصود من الآية
الكريمة ، بل المقصود القيام بالتدبير ، وإدارة شؤون من له القدرة عليه ، والاستيلاء
عليه ، والاستيلاء بمعنى التسلّط عليه ، فالله تعالى حينما يذكر ( الرَّحْمَنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )
يعني : أنّ الله تعالى خلق خلقه ، ثمّ قام بتدبير أمرهم ، كما يشير إليه قوله
تعالى : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ )[١].
استوى على العرش نوع من المجاز ، الذي
كان يفهمه السامعون يوم نزول