قد اقتضت الضرورة العقلية على أنّ
الأبصار بالعين متوقّف على حصول المقابلة بين العين والمرئى ، أو حكم المقابلة ، كما
في رؤية الصور في المرآة ؛ وعليه ، فلا يمكن تحقّق الرؤية فيما إذا تنزّه الشيء عن
المقابلة ، أو الحلول في المقابلة ، وقد ثبت مسبقاً أنّ المولى عزّ وجلّ ليس بجسم
ولا جسماني ، ولا في جهة ، والرؤية فرع كون الشيء في جهة خاصّة.
والمقصود من الوجه الذي نسب إلى الحقّ
تعالى في الآية هو ذاته سبحانه ، لا العضو الخاصّ الموجود في جسم الإنسان وما
يشابهه ؛ فالقرآن عندما يتحدّث عن هلاك ما سوى الله وفنائه ، يقول : ( كُلُّ
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ )[٣].
ثمّ يخبر عقيب ذلك مباشرة عن بقاء الذات
الإلهيّة ودوامها ، وأنّه لا سبيل للفناء إليها ، فيقول : ( وَيَبْقَى
وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ )[٤].
والتركيب قد يكون عقلياً ، وهو التركيب
من الجنس والفصل ، وقد يكون خارجياً كتركيب الجسم من المادّة والصورة ، وتركيب
المقادير وغيرها ، والجميع منتف عن الواجب تعالى ، لاشتراك المركبات في افتقارها
إلى الأجزاء ، فلا جنس له ولا فصل له ، ولا غيرهما من الأجزاء الحسّية والعقليّة.